لم أستغرب مطلقاً تلك الرسالة الخاصة التي تفضل بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز موجهاً اهتمامه الشخصي بالحالة الصحية لزميلنا الكبير تركي السديري رئيس تحرير العريقة «صحيفة الرياض». أقول: لم أستغرب ولم أندهش وذلك لسببين: الأول: أن «أبو متعب» سبق أن قال وكرر وفعل، أنه «خادم لكل مواطنيه صغيراً وكبيراً» وأنه يسهر على مصالحهم وأحوالهم، وقد ترجم ذلك أفعالاً سواء فيما يفعله شخصياً – ولا يعلنه – أو فيما هو معلن من مواقف خير وحب وتنمية شاملة، ولهذا فالرسالة الخاصة من الملك للأستاذ، تنسجم تماماً مع شخصية عبدالله بن عبدالعزيز وعفويته وحرصه الطبيعي التلقائي على الكل، ودعوني أقولها بصراحة، إن هذه الصفات الملكية الراقية، هي سجية طبيعية في معظم آل سعود الذين أعرفهم كباراً وصغاراً، وأقرب مثال على هذا زيارة الأمير سلمان ونجليه للزميل تركي في المستشفى، وأنا شخصياً أعرف أن الأمير سلمان يزور كثيرين في المستشفيات والبيوت، ومعظم هذه الزيارات الحميمة لا تعلن، ولا يعلم عنها إلاّ القليل من العاملين حوله، ومثل هذا يفعله أمراء آخرون في مختلف المناطق، فهم أولاً وأخيراً مواطنون وعلاقاتهم بالناس طبيعية بل وحميمة، وهم مثلي ومثلك لديهم علاقات وصداقات ومعارف، ومن الطبيعي أن أيّاً منهم لا يعرف كل الناس، وليس مطلوباً منه أن يعرف كل المواطنين مهما كانت مسؤوليته. السبب الثاني: أن زميلنا وأستاذنا الكبير تركي السديري، ليس شخصية عادية أو مغمورة، وليس مواطناً عادياً، وحتى لا يفهمني أحد خطأ فأنا أقصد بالعادي هنا هو من ليس بالضرورة أن يكون معروفاً مشهوراً بين الناس سواء في وطنه أو منطقته، أو على مستوى الوطن العربي، ومن هنا أقول إن تركي السديري ليس شخصية عادية ومن الطبيعي أن الملك وولي العهد وكبار رجال الدولة ونخبة المجتمع يعرفونه معرفة شخصية، وبينهم وبينه علاقة خاصة، فالسديري رئيس تحرير منذ نحو أربعة عقود، وهو كاتب فذ، وهو قامة إعلامية مشرفة للوطن وللإعلام كله، وهو قيادة إعلاميه متميزة، ومؤسسة اليمامة بقيادته من نجاح إلى نجاح، إلى أرباح بالملايين منذ سنين طويلة. وهو فوق هذا «ملك الصحافة» واللقب ليس من عندي، ولم يدعيه تركي لكنه لقب أسبغه عليه «عبدالله بن عبدالعزيز» في مناسبة سياسية يعرفها الجميع، فهل بعد هذا يجوز لي أو لغيري أن يستغرب أو يندهش من أن الملك يخص السديري باهتمام شخصي منه، إن المستغرَب ألاّ يحدث هذا، والأشد غرابة – ولا أقول سذاجة – ذلك السؤال الذي يقول هل الملك أو ولي العهد يفعلان ذلك مع كل مواطن؟ ومُطلق السؤال إمّا أنه ساذج فعلاً، أو يتوهم أنه سؤال وطني وسياسي خطير، سيجعل المواطنين يدخلون في «حيص بيص» ويعيدون النظر في علاقتهم بقيادتهم، والحقيقة أن السؤال أتفه من أن أتوقف عنده، لكني وجدت تعليقاً ظريفاً كتبه أحدهم على صاحب السؤال يقول: «يا خطير، يا خطير، تبغى الملك أو ولي العهد يعرف كل مواطن شخصياً، تبغاه يجي يزورك في البيت .. والله ما أنت سهل، هيا أرسل عنوانك وبيجونك، افرش البيت، وحاسب ترى عقلك كأنه صاف!». يا مليك الحُب، أنت عظيم بفعلك وشخصك، وولي عهدك عظيم بفعله وشخصه، والسديري أستاذ جيل وعلَم، وهذا فعل الملوك «الملوك» مع الأساتذة الكبار في كل عصر ومصر.