شكَّل حضور المرأة في الثورة التونسية إحدى العلامات البارزة في نحت حقبة جديدة من عمر تونس، هتفت التونسية وصرخت في المظاهرات وتحملت الضغوطات واستنشقت الغاز المسيل للدموع واعتصمت وأضربت ونادت عالياً بصوت الحرية ورفعت شعار العدالة والديمقراطية، نساء يختلفن في انتماءاتهن الفكرية والأيديولوجية لكنهن اتفقن على حب تونس. لم يقتصر صنع التاريخ في تونس على السواعد الذكورية المناضلة، فتاريخ الخضراء حافل بمحطات وقفت فيها التونسية صامدة شامخة أبية في سبيل الدفاع عن القيم والأرض والإنسان. حواء تونس هي نجمة مضيئة بنضالها منذ أيام عليسة مؤسسة قرطاج، لقد أسست عليسة الدولة وزرعت معها روح النضال في حواء مملكتها. ومازالت أرض تونس معطاءة لا تتوقف عن إنجاب نساء «صنديدات» فتلك هي صنديدة البربرية «الكاهنة» وهناك الجازية الهلالية والسيدة المنوبية وعزيزة عثمانة وأم البنين الفهرية، كل منهن ناضلت من جانبها وبطريقتها للدفاع عن قيم العدالة والحرية وحقوق المضطهدين في الحياة والتعليم. ولم تتوقف نضالات التونسية عند العهود القديمة، ولعل جينات النضال تطورت ونمت وتكاثرت عند حواء الخضراء، فأصبحت أكثر شراسة وصموداً أمام الظلم، لقد كانت التونسية صامدة في مجابهتها يد الاستعمار الظالم، وقفت التونسية جنباً إلى جنب مع «الفلاقة»، أو الثوار المختبئين في الجبال والأماكن الوعرة، وساندت نضالات أهل السياسة والقانون بدهائها وحيلها الأنثوية. ليس بالصعب أن تقرأ سيرة الكون والحياة في تجاعيد وجهها الجميل ولا يمكنك أن تضيع الطريق، فهناك دائماً الوشم البربري يعيدك إلى الصراط، هن كالجبال الشامخات، هن مفهوم المقاومة في أحلى التجليات، فأنت في حضرة عجائزنا الماجدات من سطر لنا طريق الانعتاق والحرية، من عدنَ كطير الفينيق من العدم لتعلمنَّ الجميع أن الحقوق تُفتَكُّ، إنهن أمهاتنا هنا في أقصى الجنوب التونسي من مدينة «الرقاب» إلى حدود مدن أقصى الجنوب. نفس الوجوه، وجوه الكبرياء والخلود، وجوه المقاومة والصمود، هي أم الشهيد، وفي مكان آخر هي جدة الشهيد تسألها فتجيب مازال لي عديد من الأبناء وإن أرادت تونس فلتأخذ ما تشاء، هؤلاء هم فخرنا واحتياطي تونس المنسي من الثورة، إنهن رائعات، في بعض الأحيان تعجز الكلمات عن وصفهن فتحاول عدسة الكاميرا الغوص في تجاعيد وجوههن الصبوحة لتقلن لك ولي ما عانين منذ الاستعمار الفرنسي إلى يومنا هذا. حدثتني أمي «هنية» مبتسمة ابتسامة تعلن انبلاج الفجر: بُنَيَّ هل تظن أننا بينكم من أجل حياة أو ترف؟ هيهات نحن هنا من أجل أبنائكم، نريد السعادة لكم، لم نعد نطيق الخوف عليكم وعلى أبنائكم، سنظل بجانبكم وإن أراد الموت أن يأخذ فليأخذنا نحن لا أنتم، انتهى العمر لنا ولكنه اليوم بدأ لكم. تراهن في كل مكان، في المسيرات في المظاهرات في الاعتصامات، يصرخن بأعلى صوتهن الأجشّ «أرض حرية كرامة وطنية»، ففي قلوبهن المفهوم الحقيقي للمواطنة، لا أحزاب تفرقهن ولا أيديولوجيا تجمعهن، فقط أيديولوجيا الأمل والغد الأفضل لنا ولأبنائنا، هن كثيرات وفي كل ربوع الوطن من أقصاه لجنوبه، هن أملنا الذي لا ينفد ومخزون ثورتنا الذي لا ينضب. الصورة في مدينة سبيطلة للعجوز حضرية، تجاوزت السبعين من العمر، قاتلت المستعمر الفرنسي وظلت في الجبال مع حركة المقاومة التونسية «فلاقة» السيدة عارم، 65 سنة، من مدينة بوزيد تعرضت للضرب من قِبَل الشرطة إبان الثورة واحتُجِزَ ابنها، لكنها ترى أن لا سبيل للتخلي عن الحرية وتحرض ابنها على التظاهر جدة جريح أصيب في ثورة مدينة الرقاب، سبعون سنة، تقول إن أرادت تونس شهداء سأهدي لها حفيدتي (الشرق) العجوز أصيلة، 80 سنة، من مدينة صفاقس وتشارك في مسيرة تطالب بالشغل والحرية والكرامة أم زينب، 73 سنة بجانب رسم لمنال عماري شهيدة الثورة بمدينة الرقاب، وتقول إنها تتمنى لو كانت منال إبنتها العجوز حضرية تعد الطعام حليمة،80 سنة من السعيدية بمدينة بوزيد، تطعم شباب الثورة وتخبئهم من الأمن