قامت الدنيا ولم تقعد؛ لأن الإعلامي تركي الدخيل أصدر كتاباً من تأليفه يقع في مائتي صفحة بيضاء بعنوان (كيف تكسب المال بأسهل الطرق). الكل بدأ يهاجم، تحولت الأقلام الصديقة بين يوم وليلة إلى أنياب حادة. سيل الانتقادات الجارف لم يتوقف، وعندما زادت الاتهامات على حدها؛ قررت أن أكتب هذا المقال بصفتي أحد المؤيدين لفكرة الدخيل الجميلة والممتعة. أولاً: التقليد ليس ما فعله الدخيل عندما حاكى الفكرة العالمية؛ ولكن التقليد أن يبدأ كاتب وحيد في الانتقاد ثم يتبعه بقية الناس في الهجوم الناقد وبنفس الطريقة والأدوات مع فروق بسيطة في درجة التجريح الشخصي. ثانياً: علينا أن ننظر للأمور بإيجابية دائماً. النظرة السلبية هي مشكلتنا الأزلية. ثالثاً: لم أر أحداً وجه الاستفسارات للمؤلف ليعرف منه هدفه البعيد ورؤيته الفلسفية، ولم أسمع أحداً يسأل عن سر نجاح التجربة بامتياز عندما طبقت في موطنها الأصلي. رابعاً: هذه الفكرة مقتبسة من توجه عالمي، وهي مبنية على دراسات سيكولوجية مطولة عن سلوك القراء رواد المكتبات. وكان الأولى أن نشكر الدخيل على مواكبته لآخر مستجدات النشر والتأليف في المجتمعات المتقدمة. خامساً: المجتمع الناضج فكرياً هو الذي يسمح لأفراده بالابتكار والإبداع وإظهار ما لديهم من أفكار جديدة ومختلفة عن السائد. وإذا كانت الأفكار غير مجدية فإن المجتمع يتركها تلقائياً، ويبحث عن غيرها بهدوء وسلام. سادساً: الجدية ليست مطلوبة دائماً. نحتاج أحياناً لكسر الروتين، ولا نستغني عن المرح والتجديد حتى في مجال النشر والتأليف. سابعاً: المؤلف لم يخدع الجمهور. هذا الكتاب ليس فيه أي نوع من أنواع الغش؛ فهو واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار؛ ومن يشتره يكن مسؤولاً عن قراره. بعض الكتب المليئة بالحشو الكتابي نقتنيها بناء على مهارة التصفح السريع؛ ثم نندم على اقتنائها بعد قراءتها. ثامناً: جاء هذا الكتاب الفريد ليعلمنا أهمية «الفراغ» وقيمته التي نصنعها بأنفسنا؛ وكأن لسان حال الكاتب يقول: دعونا نصنع من الفراغ شيئاً جميلاً ومفيداً. تاسعاً: جاء هذا الكتاب ليعلمنا أن الكلام مفيد، وأن الصمت مفيد أيضاً!.. اللاكتابة هي الوجه الآخر لفضيلة الصمت. عاشراً: كثير من الكتب المثقلة بالكلمات والجمل والعبارات، التي يرصها المؤلف رصاً، مستخدماً كميات هائلة من الحبر الأسود، قيمتها أحياناً لا تساوي شيئاً؛ بل إن بعضها سموم يتجرعها البشر. كتاب الدخيل الجديد -على الأقل- ينفع ولا يضر؛ ويكفيه رمزاً أنه كقلبه.. ناصع البياض. إن تبرع المؤلف بريع الكتاب لنادي الصم والبكم، فيه من الرمزية ما يحرك الشجون لكل من يملك قلباً نابضاً؛ فنقاء آذان أولئك الأبرياء وصفاء ألسنتهم من شوائب الأصوات والكلام؛ ليس بعيداً من نقاء وصفاء الكتاب المهدى ريعه لصالحهم.