الرياض – يوسف الكهفي الدريعي : يجب فحصهم واختبارهم والتحقق من صحة عقيدتهم وتوجههم فرحان: حذرنا من استخدام الصعق بالكهرباء والضرب بالعصا والخنق ناشد أكاديميون ورجال دين ومثقفون أهل العلم الشرعي المعتبرين والجهات الحكومية المسؤولة بالتدخل للحد من انتشار ظاهرة مفسري الأحلام والعلاج بالرقية الشرعية على يد أشخاص «متمشيخين» نصَّبوا أنفسهم لهذه المهمة، عبر وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء؛ بهدف جمع المال واصطياد النساء تحت مظلة تفسير الأحلام والعلاج – على حد قولهم -، معتبرين أن هناك ثلة من الاستغلاليين وجدوا الباب مفتوحًا أمامهم، دون حسيب أو رقيب. وقالوا ل «الشرق»: «لا بد من تحرك أهل العلم الشرعي المعتبرين لردع بعض المتمشيخين الباحثين عن إشباع الرغبات والأهواء الشخصية، والمتسابقين على نهب جيوب البسطاء بمساعدة القنوات الفضائية الربحية من خلال برامج ساذجة لا تكلفهم أكثر من التواصل مع المتصلين من خلف الشاشة، ومن داخل شقة أو غرفة صممت على شكل استديو صغير، أو من خلال وسائل الاتصال الحديثة المتعددة». اكتشاف المستقبل سليمان العقيل يقول رئيس قسم الدراسات الاجتماعية في جامعة الملك سعود، البروفيسور سليمان العقيل: «مما ساهم في انتشار هذه الظاهرة أن الانسان في طبيعته يبحث عن أي نافذة تعبر به إلى المستقبل، فهو دائماً يريد أن يكتشف المستقبل، وهذا دليل على قلق من المستقبل، ومن واقع لا يعرف ما هي نهايته، وبالتالي يتجه إلى من يفتح له النافذة من خلال تفسير الأحلام والعلاج بالرقية الشرعية، وللأسف! نجد أن عدداً كبيراً من الناس يقعون ضحية لدجالين باحثين عن المال والشهوات والأغراض الأخرى تحت غطاء الدين، ولا أحد ينكر أن هناك من هم أهل للتفسير والرقية، ولكنهم بعيدون عن الإعلام والمتاجرة والاستغلال. أما هؤلاء المتمشيخون الطافحون على سطح الإعلام المرئي والمسموع ورسائل ال»sms» وجدوا أن المسألة مربحة، ولا تكلفهم رأس مال، سوى مجرد أن يحفظ كلمتين: خيراً رأيت وشراً كفيت!» متعة مؤقتة ويضيف العقيل «هؤلاء المتمشيخون في تقديري لا يختلفون عن بائعي المخدرات؛ فالذي يبيع المخدرات يبيعها للمتعة المؤقتة، وهذا أيضاً يبيع متعة بيع الأحلام والآمال الوهمية، وجميعها تندرج تحت مسمى المخدرات، ولكن تلك مخدرات حسية وهذه مخدرات معنوية، وكلها تجعل الإنسان يعيش على أمل كاذب أو متعة مزيفة». حقيقة العلم محمد الدريعي وأوضح عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الشيخ محمد بن حسن الدريعي أن هؤلاء «فقدوا حقيقة العلم ودلائل القرآن والسنة النبوية، التي توجب عليهم أن يلتزموا بالعلم الشرعي «الرقية والرؤيا»، وفقدوا الروح الإيمانية القوية التي تمنعهم من الوقوع في هذا الفعل؛ لأنهم عندما فقدوا الروح الإيمانية تسلط عليهم الشيطان وأغراهم بالمال الذي تيسر لهم من جيوب الضعفاء، الذين هم في الغالب يعيشون الوهم والوسواس». أمان من العقوبة وأضاف: «هؤلاء ثلة وجدوا أنفسهم في بر الأمان من العقوبة الرادعة، وهذا ما يتطلب أن تقف مجموعة من العلماء والفقهاء الحقيقيين الصادقين لفحص هؤلاء واختبارهم، والتحقق من صحة عقيدتهم وتوجههم، وحتى لا يقع التشكك في هذا الدين؛ لأن مسألة أن يعزف هؤلاء المرتزقة على وتر أن هذا مسحور، وذاك معيون، كلها ليست لها دلائل واضحة بالنسبة لهم، وأذكر أن الدولة تنبهت لهم في فترة من الفترات، ولكنهم -وللأسف- سلكوا طريقاً آخر بعيداً عن سلطة الدولة التي تحكم بالشريعة الاسلامية (المملكة)، فوجدنا أن بعضهم لجأ إلى محطات ووسائل إعلامية بلدانها لا تحكم بالشريعة الإسلامية، وراح يمارس دجله وكذبه واستغلاله عبر تلك النوافذ الموبوءة». وتمنى الدريعي أن تتضافر جهود هيئة كبار العلماء، وإصدار فتوى تستند عليها الدولة لملاحقة هؤلاء الدجالين، وأن تكون غير ملامة لو قتلت أو سجنت أو عاقبت من يسيء لأصول هذا العلم. ثقافة المجتمع محمد السحيمي ويرى الكاتب والأديب محمد السحيمي «أن المسألة تتعلق بثقافة المجتمع نفسه، فلو كانت هناك ثقافة واعية بهلوساتهم لما نجحوا، ولا كان لهم قبول في المجتمع من الأساس». وقال «ربنا -سبحانه وتعالى- أنزل المعوذتين على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- والذي قال عنهما -عليه الصلاة والسلام- : (ما تعوذ إنسان بأفضل منهما)، إذن: فلماذا نلجأ إلى هؤلاء؟ وما السر حينما تذهب إلى فلان المفسر أو الراقي وتثق به وهو يزعم أنه لا يفعل أكثر من قراءة القرآن، والقرآن بين يديك؟! ولماذا لا تقرأه أنت؟! ولماذا لا تقرأ على نفسك أو أهلك أو أبنائك هاتين السورتين الكريمتين «الناس» و «الفلق»؟ فهؤلاء يعتمدون على بث عملية الإيحاء، وهذه معروفة في الطب النفسي، وهي إرسال رسالة سلبية إلى العقل الباطن يتأثر بها الجسد». وأضاف» نعم! النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «العين حق»، ولا شك في ذلك، ولكن: لماذا لا نتعامل معها معاملة فردية؟ وهناك قصة خادمة المسجد السوداء مع النبي -صلى الله عليه وسلم- تلك الأَمَة التي كانت تنظف المسجد وكانت تصرع، فقالت: يا رسول الله! إني أُصرع، فقال -عليه الصلاة والسلام-: إن شئتِ دعوت لك بالشفاء، وان شئتِ صبرتِ ولك الجنة، فقالت: أصبرُ يا رسول الله، ولكن ادعُ لي ألا أتكشف حينما أُصرع، فانظر كيف كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يوعِّي وينشر ثقافة حقيقية. وأوضح: «الآن بدأ ينكشف كذبهم وزيفهم من خلال تفسيرهم وتوقعهم لنتائج مباريات كرة القدم، وهذه أكثر شعبية وانتشاراً بين الناس، وكذبوا أكثر من مرة، وهذا دليل على أن الله يريد أن يعريهم بقدرته وجلاله». نقلنا ما تحدث به العقيل والدريعي والسحيمي لمفسر الاحلام والمعالج بالرقية عبد الرحمن الرويس، والذي علق قائلاً: «هؤلاء دخلوا في النوايا، والله وحده يعلم ما في نيتنا، وأننا لا نستغل الناس ولله الحمد، وإذا قالوا عن الرقاة هذا؛ فماذا يقولون -إذن- عن الأطباء النفسيين؟!». وأضاف: «هذه اتهامات تحتاج إلى إعادة نظر، ومسألة مقارنتنا أو تشبيهنا بتجار المخدرات؛ فهذا كلام لا يقوله إلا شخص يحتاج إلى رقية شرعية وطب نفسي، فمتابعيَّ في «تويتر» أكثر من 120 ألف، وجوالي يتلقى 182 ألف رسالة في الأسبوع الواحدن وللعلم؛ فإنني كنت أرقي طبيباً نفسياً مشهوراً بالإعلام، ولمدة ثلاثة أسابيع حتى شفاه الله، ومع الأسف حاربني». وأكد الرويس: «نحن لا نستغل النساء كما يزعمون؛ فالنساء يتابعن الرياضة والفن ويراجعن العيادات النفسية، وكذلك يشاركن في الاتصال ببرامج الإفتاء، وبالنسبة لأخذ الأجر أو المقابل المالي؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- أحل أخذ الجُعل، وكذلك رقى واسترقى، وعبَّر الرؤيا أيضاً». إساءة للمعالجين جمعان العنزي وبين المعالج بالرقية الشرعية، إمام وخطيب جامع بنت عتبة بمحافظة الخفجي، جمعان العنزي أنه من المعالجين القدامى في هذا العلم، وقد شفيت على يده كثير من الحالات المشهودة والموثقة. مؤكداً أن دخول عدد كبير من الاستغلاليين في السنوات الأخيرة -خاصة بعد انتشار الفضائيات ووسائل الاتصالات- أساء كثيراً لسمعة المعالجين الحقيقيين. مبالغة في الأجر وأضاف العنزي «هناك تحذير من هيئة كبار العلماء بعدم المبالغة في طلب الأجر، ولا بأس من طلب مبلغٍ بسيطٍ، ولكن ما نلحظه من هؤلاء الإخوة -هداهم الله- هو المبالغة في أسعار البضاعة التي تباع من الماء والزيت والعسل». وحول إن كان يحمل ترخيصاً بمزاولة الرقية؛ يقول العنزي «الدولة لم تعارض ولم تعطِ تصريحاً، وإنما يكون الراقي تحت الرقابة، فهناك لجنة مشكلة من كل من الإمارة والشرطة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي المحافظات يكون رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو المسؤول عن الرقاة، ويتبعه مندوب اللجنة ومندوب الإمارة أو المحافظة، ويختبرونه مبدئياً، ومن ثم يعطونه فتوى من هيئة كبار العلماء ويوقع عليها، ويؤخذ عليه تعهد باستلام الفتوى، وأن يعمل بشروطها وضوابطها، وكثير من الأحيان تقوم هذه الجهات برقابة سرية مثلاً عن طريق نساء مرسلات من طرف الهيئة، وكذلك بالنسبة للرجال يكون رجلاً، وأحياناً تكون المسألة علنية، ويحضر عضو من الهيئة ويشرف على حالات علاج للرجال». مواقف طريفة وتطرق العنزي إلى العديد من المواقف الطريفة التي واجهته خلال ممارسته لهذا العلم قائلاً «وصل الأمر إلى أن هناك مرضى قرأت عليهم وتفاجأت بهم فيما بعد بأنهم أصبحوا رقاة شرعيين، ومعالجين لأمراض مستعصية كالعقم والسرطان والكبد الوبائي، ويفسرون الأحلام، وللأسف هناك عديد من الناس انساقوا وراءهم، وذُهلت عندما قال لي أحدهم: (إنه أصبح يمارس ذلك. فقلت له: كيف تجرأت على هذا؟ فقال: أعجبتني الفكرة وصرت راقياً! أغراني المبلغ المالي والكسب، فتركت اللحية وقصرت ثوبي، واشتريت مسواكاً، واستأجرت استراحة صارت عيادتي)، يقولها بكل ثقة ودون حياء». جهة إشرافية وقال نائب محافظ محافظة الخفجي، راشد بن مطلق السبيعي «نستقبل شكاوى المواطنين المتضررين من بعض الرقاة أو المفسرين في حال تم استغلالهم، أو لاحظوا أن أحداً يستغل هذا العلم الشرعي في أغراض لا تتناسب مع أصوله، ونتخذ الإجراءات اللازمة سواءً عن طريق تحويلهم إلى هيئة الادعاء والتحقيق المختصة بالنظر في مثل هذه القضايا، أو إلى هيئة الأمر بالمعروف التي تقوم بالرقابة والتفتيش على صحة هذه الممارسات، ويقومون بجولات ويحاسبون المخالفين. أما بالنسبة للمحافظة؛ فهي جهة إشرافية مختصة بالإشراف على جميع الدوائر الحكومية في المحافظة». أصول وضوابط فرحان العنزي وأكد نائب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة الخفجي، فرحان خليف العنزي أن الهيئة لا تمنح تصاريح لممارسة الرقية الشرعية أو تفسير الأحلام، ولا تمانع في نفس الوقت أن يمارس هذا العلم من لم تكن عليه مخالفات بأصول هذا العلم وضوابطه، وتتدخل الهيئة وتمنع وتعاقب أيضاً متى ما وجدت مخالفات شرعية تتعلق بالعقيدة أو السلوك. أما اذا كان ذلك الراقي مشهوداً له بالصلاح لا يعارض إذا كان فيه منفعة للناس، وملتزماً ببنود الفتوى التي نقدمها له، ويتعهد بتنفيذ بنودها ويوقع عليها. ومن أبرز ما في نصها هو عدم المبالغة في طلب الأجر، وعدم مس النساء واستخدام مكبرات الصوت في القراءة، وعدم القراءة الجماعية، وكذلك فيما يخص الأدوات التي تستخدم في الرقية: عدم استخدام الصعق بالكهرباء، والضرب بالعصا، أو الخنق، ووضع اليد على الحلق والقبض عليه، وعدم الخلوة بالنساء، وغيرها». لجان حكومية ونوه فرحان العنزي الى وجود مخالفين بين الرقاة تمت محاسبتهم ومنعهم، وقال «منهم من لا يقرأ الآيات كاملة، أو يدعي علم الغيب، وأن هناك لجاناً مشكَّلة من عدة جهات حكومية، منها: الهيئة والإمارة والشرطة ووزارة الشؤون الاسلامية والأوقاف، وتقوم بجولات يرصدون من خلالها السلبيات والإيجابيات، وفي حال وجود من يخالف تكون العقوبة كالتالي: إذا ضبط مبدئياً يؤخذ عليه تعهد – إذا كانت المخالفة بسيطة- وإذا كانت كبيرة يحال للشرع، ويصدر بحقه حكم شرعي، هذا فيما يخص الرقية الشرعية. أما مفسرو الأحلام فليس لنا علاقة بهم، إلا في حال أن يتعلق الأمر بالعقيدة، حينها نتدخل ونحاسب المتجاوز».