أرجو من أتباع الدين الإسلامي أن يتركوه على سيرته الأولى من اليسر والسماحة واللين ولا يضيفوا إليه شيئا من عند أنفسهم، فالإسلام ليس بحاجة إلى زيادة من متحذلق متكلّف متنطّع، ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم يقول: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد». وقد بيّن ربنا سبحانه أن دينه كامل لا يحتاج إلى أي زيادة أو إضافة أو تعديل أو اقتراح أو استدراك قال تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، ومصيبة المسلمين هي من بعض أتباعه الجهلة الذين شقّوا على عباد الله وفهموا النصوص فهماً خاطئاً وشددوا على عباد الله وعذّبوا الخليقة وأرادوا أن يسيطروا بفهمهم القاصر على عقول الناس، وأحدهم من شدته وغلظته إذا لم توافقه على فهمه فأنت عدو له وهو بالخيار بعد ذلك معك إما أن يهجرك أو يسبّك أو يشهّر بك أو يذبحك، انظر في حياة الصّحابة في عهده صلى الله عليه وسلم فإذا هي حياة سهلة ميسّرة فيها رحمة ورفق ولين كما قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)، وأشاهد بعضا في عصرنا وهو يتكلم باسم الدين بغلظة وفظاظة وعُجب وتيه وكبر وشراسة وكأنه هو الذي خلق الناس ورزقهم وبيده مفاتيح الجنة والنّار! لماذا هذا المنهج الغليظ الفظ الفج الذي لا يوصل إلا إلى مهلكة، أبهذا أُمرنا ؟ هل نحن متَعبّدون بغير نصوص الكتاب والسنة؟ هل في الأمة معصوم غير رسول الهدى بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم؟ لماذا نشاهد بعضنا يتكلم للناس من موقف الوعيد والتهديد؟ هل له حق على الأمة خاص؟ هل عنده سلطان من الله على عباده؟ هل هو مخوّل باسم الشريعة يرحم من شاء ويعذب من شاء؟ أيها الدعاة إلى الله يا حملة الدين تواضعوا واعرفوا قدركم وحجمكم ووزنكم قال تعالى عمن زعم أن له خصوصية: (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ)، يجب علينا أن نخاطب الناس على أننا بشر مثلهم عندنا ذنوب وعيوب مثلما عندهم ولكننا اطلعنا على بعض نصوص الشّرع فوجب علينا من باب المحبة والأخوة الإيمانية أن نناصحهم بالتي هي أحسن معتقدين أن هذا المنصوح مهما ارتكب من الكبائر والذنوب فقد يتوب الله عليه وقد يختم له بخير وقد يكون خيراً منا في الآخرة من يدري إلا الله؟ لأن النّيات والسرائر وقبول الأعمال والحساب في الآخرة والحسنات والسيئات من علم الغيب لا يطلع عليها إلا الله وحده وفي الحديث الصحيح: «إن منكم من يعمل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن منكم من يعمل بعمل أهل النار فيما يظهر للناس حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها»، وحديث : «إنما الأعمال بالخواتيم»، إن بعض الوعاظ يخاطب الناس من برج عاجٍ وكأن عنده أمانٌ لنفسه من العذاب فينظر إلى العصاة باشمئزاز وتعالٍ وتأفف وتضجّر وتذمّر وقد خالف قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: «من قال هلك الناس فهو أهلكهم»، وفي حديث صحيح أن عابداً قال لأحد العصاة: تب إلى الله قال العاصي: أتركني أنا وربي، قال العابد والله لا يغفر الله لك، فأحبط الله عمل العابد وغفر للعاصي، ارحموا الناس أيها الدعاة وحدّثوهم برحمة وشفقة حديث من لا يدري ماذا يُفعل به يوم العرض الأكبر، حديث من يجهل ماذا يُختم له في آخر حياته، حديث من ليس عنده ميثاق من الله برحمة فلان وعذاب فلان، ولهذا أمر الله عباده أن يرحموا عباده فقال: ( وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ) إن خطاب التشهير والتّجريح والتّعالي خطاب ممقوت أثبت فشله عبر ممارسات الفرق الضالة التي شقّت عصا الإسلام وخرجت على الجماعة المسلمة وعقّت المنهج الرباني وتنكّرت للسنة المطهرة كالخوارج المارقين والجهمية المعطلين ومن سار في ركبهم من الغالين والمتشددين والمتشدقين والمتعمقين الذين ذمّهم صلى الله عليه وسلم وحذّر منهم فقال: «هلك المتنطعون والمتفيهقون والمتشدقون والمتكلفون»، الإسلام أيها الفضلاء سهل يسير بسيط يناسب فطرة الإنسان وضعفه وعجزه وإنسانيته، الإسلام يريد أن يعيش الإنسان عبداً لله بكرامته وحريّته وبشريّته وحياته الطبيعية لأن الله منزّل الوحي على نبيه صلى الله عليه وسلم أعلم بما يصلح عقل الإنسان وروحه وجسمه فليس لأحد من البشر أن يتدخل في التشريع إضافةً أو نقصاً فليس عليه إلا البلاغ، قال تعالى: (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ)، وقال: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسيْطِرٍ)، مع شرط أن يفهم هذا الداعية هذا البلاغ وآدابه وأسلوبه وطريقته فإن لم يفهم التعامل مع هذا البلاغ فعليه أن يترك المجال لغيره والحلبة لفرسانها والسفينة لربّانها، ولهذا قام علماء وولاة الأمة الإسلامية في القرون المفضّلة بإيقاف الخوارج عند حدّهم بالقوة الرّادعة لأنهم بصراحة يريدون تشويه المنهج وتعذيب الأمة والخروج عن الجادة وإدخال المشقة على عباد الله والصّد عن سبيله بل استحلال الدماء باسم الإسلام ولهذا قام أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب بجيش جرار ودكّ أوكار الخوارج واستخرجهم من معاقلهم وقدّمهم للعدالة لأنه في وقته أجل وأعدل من يمثّل الإسلام رضي الله عنه وأرضاه ولهذا شكرته الأمة وعرفت له جميله أبد الدهر.