سواء كان النقد والطعن والاحتجاج على المقابل المادي عن العمالة الوافدة محقاً أم مخطئاً، فإن إلغاء القرار والتراجع عنه يعني مزيداً من تراكم الفشل في القرارات الصادرة بتوصية من وزارة العمل لإيجاد حلول لبطالة العمالة الوطنية التي تتزايد باستمرار. وأعني بذلك أنها ليست المرة الأولى التي يصدر فيها قرار من مجلس الوزراء بتوصية من وزارة العمل أو من مجلس القوى العاملة في اتجاه حلول تدريجية وجزئية لإحلال العمالة الوطنية والتدخل من أجل معادلة ميزان المنافسة التي يجرفها السوق دوماً لصالح العامل الوافد. وفي كل مرة تثور على القرار قوى مختلفة فيجمَّد القرار، أو يؤجَّل تطبيقه، أو يحدث ما ينسينا إياه. نتذكر -مثلاً- قرار سعودة أسواق الخضار ومحلاته، قبل أكثر من خمسة عشر عاماً، حين قضى بقصرها على السعوديين. ظهر شباب من مختلف الأعمار إضافة إلى شيبان، وفي بعض الأسواق ولا سيما أسواق القرى أو المدن الصغيرة كان يمكن للمرء أن يلحظ عودة نساء عجائز لبيع منتجاتهن بعد أن جرفهن تيار العمالة الأجنبية بعنف. بعض رجال الأعمال اضطر إلى تغيير نشاطه التجاري نتيجة للقرار، فلم يعد مجدياً له أن يذهب صباحاً في الرياض إلى سوق عتيقة ليزايد على حراج شاحنة بطاطس أو بصل.. وينقلها إلى أسواق الربوة أو غيرها ليبيعها له عمال وافدون مجزَّأة. كان منا من يتحدث بارتياح عن نجاح السعودة في سوق الخضار، وكان آخرون يبدأون نقدهم للقرار وينتهون بكسل العامل السعودي وعنجهيته، مع المرور قليلاً أو كثيراً على مواعظ حرية السوق وضرورة تصحيحه بفتحه للمنافسة. الآن، ماذا حل بذلك القرار؟ من ألغاه؟ أو من أنسانا إياه؟ أو هل أنتج تطبيقه ما يفيد بضرورة إلغائه والتراجع عنه؟ ومثلُه قرار سعودة أسواق الذهب، لكنه يختلف عن قرار الخضار، في أننا لم نشهد تجربة فَرْضه، وما شهدناه هو إيقافه أو نسيانه! ولا يقل عن ذلك أهمية ذلك القرار الذي أصدره مجلس الوزراء في 22/5/1426ه بشأن قصر العمل في محلات بيع المستلزمات النسائية على المرأة السعودية. ولم تُتَح له –آنذاك- فرصة التطبيق أمام تحالف العديد من المشايخ ورجال الأعمال على رفضه. ليس لازماً أن يكون حدوث معارضة لمثل هذه القرارات، أو لا يكون، شهادة لصحتها أو لخللها، ولكن اللازم لتكرار إلغائها هو المراكمة لشعور الفشل والحيرة في حل معضلة البطالة. القرار الأخير بحسب وصف معالي وزير العمل له، في معرض الدفاع عنه، جزء من الحلول التدريجية العاجلة، وذلك في مقابل حلول كبرى منها توجيه مخرجات التعليم باتجاه حاجات سوق العمل. فلنتساءل هنا: ما الذي يؤخر اتجاه الوزارة إلى معالجة مخرجات التعليم؟ وما الذي يمنعها من الحد من الاستقدام وخفضه بنسبة معينة؟ إن مشكلة البطالة تزداد سوءاً، بالتلاقي بين تدفق مخرجات التعليم غير المناسبة وتزايد تدفق الاستقدام.