جدة – عامر الجفالي د. جبران: الشخصية الكوارثية تهوِّل الأحداث وبعض الشخصيات لا تلتزم بالتعليمات. العويد: الخوف سنة فعلها النبي الكريم وعبادة لله وليس تشاؤماً. ضرر الأمطار إنذار من الله أما العقوبة فشيء أعظم. التشاؤم والطيرة كلها حرام إلا ثلاثة: المرأة والبيت والدابة. أثار ما حدث في كارثة سيول جدة وكوارث السيول في المناطق الجنوبية وكارثة انفجار شاحنة الغاز في الرياض، تساؤلات حول الوعي المجتمعي بالكوارث والتعامل معها قبل حدوث الكارثة وبعدها، وقد ظهر جلياً عديد من التناقضات في مجتمعنا أثناء الكوارث من خوف مبالغ من تكرار الأحداث، فنجد المواطن يخاف من هطول الأمطار ويمنع أبناءه من الذهاب للمدارس بمجرد توقعه نزول الأمطار في مدينة جدة، وتنتاب بعضهم حالة من الخوف في الذكرى المؤلمة التي تعرضت لها المدينة، ومن ناحية أخرى يتساهل في احتياطات وأنظمة السلامة كما شاهدنا في حادثة الرياض، وكذلك في بقيق، كما نجد عديداً من المواطنين يعرضون أنفسهم لمجاري السيول. «الشرق» تناولت القضية من جوانبها النفسية والوقائية المتعلقة بالدفاع المدني، والدينية المتعلقة بالتشاؤم وتفسير الأحداث، وكذلك من الناحية الإعلامية والدور الحقيقي للإعلام في التنوير والجوانب الوقائية.. في الأسطر الآتية: توعية المجتمع حمّل الناطق الإعلامي في إدارة الدفاع المدني في منطقة مكةالمكرمة العقيد سعيد سرحان، بعض الإعلاميين مسؤولية عدم فهم المواطنين عمل الدفاع المدني في الإنقاذ، مؤكداً أن الإعلاميين بحاجة ماسة لدورات توضح لهم المصاعب التي تعترض عمل الدفاع المدني، وضرب مثلاً بأن هناك من الإعلاميين من ينتقد توجيهات المدني بعدم التجمهر فيقول «من قال إن التجمهر يعيق عملية الإنقاذ»!!؟ وهذا غير صحيح فالتجمهر من أكبر المعيقات. ووجّه سرحان رسالة للإعلام قائلاً «لابد من توعية المجتمع بأهمية مسببات الحرائق والكوارث كعدم وجود كاشف حرائق وطفايات، فمتى ما نشر الإعلاميون ثقافة وسائل السلامة فلربما لن نحتاج إلى الدفاع المدني». وسائل السلامة وأكد العقيد سرحان أن الحرائق التي تحدث في العمائر الكبيرة كالفنادق يخرج الجميع منها دون إصابات بنسبة عالية، لأن وسائل السلامة فيها متوفرة كالسلالم الخارجية والكواشف المبكرة وغيرها، وللدفاع المدني سلطة على هذه البنايات، ولكن ليس له علاقة بالبيوت الشخصية، وغالباً لا يراعى فيها وسائل السلامة فيذهب 70% من السكان ضحايا عند حدوث مكروه، خاصة البيوت الشعبية منها لعدم وجود إنذار مبكر. وعن حوادث السيول، قال سرحان «كثيراً ما نسمع من الانتقادات في الإعلام: لماذا لا توزعون دوريات سلامة في الوديان، وحقيقة لدينا دوريات ولكن هذا ليس منطقاً، لماذا النزول إلى الوديان أصلاً في أوقات الأمطار والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المبيت في الوديان، ولدينا إنذارات طبيعية كالبرق والرعد، إذن الوعي هو الأساس وهو ما يفتقده غالب المواطنين». وعي المواطن وشدد سرحان على ضرورة التدريب في المدارس والمجمعات السكنية، والتجارية، منوهاً إلى أهمية بث الوعي، مبيناً أنه العامل الأساس كون التدريب وتوعية الدفاع المدني محدودة لا تصل لكل شخص ما لم يكن مهتماً، مؤكداً على ضرورة استغلال المناسبات العامة لإرسال رسائل التوعية كاليوم العالمي للدفاع المدني واليوم الوطني، عبر جميع الوسائل المسموعة والمقروءة والمرئية، وفي الميادين العامة، وقال «يبقى الوعي من المواطن هو العامل الأول، ورأينا ذلك في حرائق راح ضحيتها الأطفال بسبب إغلاق الوالدين الباب عليهم خوفاً على الأطفال، ومن ثم يُتهم الدفاع المدني ويُقال وصل متأخراً ونحن لم نبلغ إلا بعد انتشار الحريق وخروج الدخان وهلاك من في الداخل». وأضاف «لدينا إدارة خاصة بالتوعية في المديرية العامة وتعمل من خلال جميع وسائل الإعلام والذهاب إلى أماكن تجمع المواطنين كالأسواق». اضطرابات نفسية ويقول الدكتور جبران يحيى الاختصاصي النفسي «هناك مخاوف واضطرابات حقيقية مرتبطة بالكوارث والأزمات، وهناك شخصيات كوارثية تهوّل وتضخم الأحداث، فالاضطرابات الحقيقية تظهر للناس وقت الكوارث، وهنا نميز بين اضطرابات مرتبطة بالأحداث والكوارث، واضطرابات ما بعد الصدمة، واضطراب الخوف المرضي (فوبيا)، واضطراب ما بعد الصدمة مرض حقيقي يمكن أن يُصاب به الذين عاشوا أو شهدوا أحداثاً صادمة، كالحروب والأعاصير والاغتصاب والانتهاك الجسدي أو الحوادث الخطيرة. وتصاحب الشخص أعراض مثل استحضار ذكريات ما حدث وقت الكارثة ويتعايش معها كأنها تحدث الآن، أو الشعور وكأنَّه يحدث من جديد. وتصاحب الحالة أعراض مؤلمة وتظهر لديهم اضطرابات النوم أو رؤية الكوابيس، واضطرابات الهلع، وحالة من الهياج أو نوبات الغضب، والبكاء والشعور المستمر بالقلق، أو الإحساس بالذنب، أو الحزن، يجعل هذا الاضطرابُ الشخصَ يشعر بالشِّدة والخوف بعد زوال الصدمة أو الخطر، وهو يؤثر في حياة هذا الشخص والآخرين الذين يعيشون معه، وتعاوده حالات عندما تظهر مشابهة للأحداث الصادمة مثل الذهاب إلى نفس المكان، أو أن يحول زمن الكارثة، كل هذه قد تعيد الفرد إلى حالة من الخوف والهلع التي يستوجب معها الرعاية والاهتمام». تعميم الخبرة وزاد د. يحيى «أما بالنسبة للمخاوف فانها تحدث بطريقتين وفقاً لقوانين التعلم كنوع من الارتباط وتعميم الخبرة، وهذا يعني أن ما يحدث عند الناس نوع من تعميم الخبرة من الأشياء المخيفة فعلاً إلى أشياء ليست مخيفة بالضرورة، وتعميم الخبرة حتى على الأشياء البسيطة، فعندما تحدث للشخص خبرة مؤلمة في رحلة طيران يتخيل أن كل الرحلات سوف تكون بنفس الشكل، وكذلك تخوف سكان جدة هو نوع من تعميم الخبرة غير السارة أو المؤلمة، مما يجعلهم يتشاءمون من نزول الأمطار ويخافون من الكارثة، وهذا مبرر من ناحية إنسانية لكنه ليس منطقياً من الناحية العملية والإجرائية، وليس صحيحاً أن أي نسبة من هطول الأمطار سوف تؤدي إلى كارثة، وهذه المخاوف تصورات نتيجة تصورات ذهنية». شخصية كارثية وأكد د. يحيى أن هناك أنماطاً من الشخصيات لديها التفكير الكارثي في كل الأحداث، وهذه الشخصية تتميز بنوعين من التفكير التهويل والتضخيم، وهو تصور الكارثة قبل حدوثها، أما التضخيم فيعني إعطاء حجم أكبر للحدث والمبالغة في تصوير الأحداث، هذه الشخصيات قد تفاقم المشكلات ولا تقدم حلولاً، وأضاف «الحلول في نظري يجب أن تكون مشتركة بين الأجهزة الحكومية والمواطنين من حيث الوقاية وإجراءات السلامة ومن ناحية التعامل. ويمكن أن نلخص الطرق السليمة في التعامل مع الأحداث من خلال أنَّ التغيرات المناخية تغيرات عالمية ونحن مجتمعات يجب أن نعي هذه التغيرات ونكٌون ثقافة بيئية مرتبطة بالأحداث البيئية والتغيرات المناخية، والالتزام بإجراءات السلامة والبُعد عن الأماكن الخطرة، والاستفادة من تجارب المجتمعات المتقدمة في كيفية أخذ الاحترازات الوقائية في مواسم الأمطار، والتفريق بين الوعي بإجراءات السلامة وتطبيقها والخوف أو الهلع المبالغ فيه. الخوف والتشاؤم عصام العويد أوضح الشيخ عصام بن عبدالعزيز العويد سنة النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المواقف حيث قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى السحب خاف وأقبل وأدبر، قالوا يا رسول الله، أتخاف والناس يستبشرون؟ قال: «وما يدريكم أن تكون صاعقة كصاعقة عاد وثمود»، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم عليهم: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ)، قال البغوي في تفسيره: «فأخذت الريح من في الطرقات وقتلتهم وهرب البقية إلى البيوت وأغلقوا النوافذ والأبواب فكسرت الريح نوافذهم وأبوابهم وقتلتهم في بيوتهم فقال الله عز وجل: (فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم). الخوف عبادة وأضاف العويد أن الخوف سنة وعبادة لله وليس تشاؤماً كما يقول الناس، أما التشاؤم فهو شرك وهو الطيرة كمن يقول هذه البومة شر هذا اليوم أسود وهكذا، وقال عليه السلام: «الطيرة شرك الطيرة شرك وخيرها الفأل»، فبدل أن يقال سينزل مطر عذاب يقال مطر خير ورحمة. والطيرة والتشاؤم حرام إلا ثلاثة، قال ابن باز ويستثنى منه ثلاثة: المرأة والبيت والدابة، فإن تزوج الإنسان وساء حاله له أن يغير زوجته، وإن سكن بيتاً وأصيب بالبلايا غيّر البيت، وإن استخدم الدابة وسببت له البلايا وأوقعته كثيراً فله أن يغيّر الدابة، أما الباقي فلا تجوز فيه الطيرة، والله أعلم. أما الخوف فقد فعله النبي حتى أنه بدل أن يأخذ الرداء أخذ الإزار أو العكس. خطأ شرعي وزاد العويد «الرسول أعظم الناس إيماناً، كان يخاف ويرجو أن يكون مطر رحمة لا مطر عذاب، وقد رأيتم ما حصل في جدة، وما حصل في أمريكا، وما حصل من تسونامي من قبل، ولله عاقبة الأمور، هذه ليست كوارث طبيعية كما تسمى، وهذا خطأ شرعي، وإنما يقال هذه أمور إلهية الزلازل والبراكين والريح، ولذلك من السنة إذا هبت الريح كما في صحيح مسلم، أن يقول العبد: «اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً»، وفي الحديث الآخر: «اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها ومن شر ما فيها ومن شر ما أرسلت به»، وكان عليه الصلاة والسلام ينهى عن سب الريح ويقول: «لا تسبوا الريح فإنها مأمورة»، أي أن هذه الأمور مقادير ربانية وليست كوارث طبيعية، وهذا يردده من ليس لديه إيمان ونراه ونسمعه في الإعلام، والصحيح أن يقال هذه قوة الله وقدرته حتى يربط العبد بخالقه مدبر هذه الأمور. وقد قال الله: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) فما يحصل هو تخويف من الله، قال تعالى: (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا)، وكما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا) حتى يخاف العباد من عقاب الله ويرجون رحمته. فما يحدث في المدارس وعند أولياء الأمور من خوف أمر شرعي طبيعي ولكن عليهم أن يتعلقوا بالله. إنذار من الله وذكر العويد عن قصة سؤاله الشيخ ابن باز -رحمه الله- عن الأمطار الغزيرة التي وقعت في الرياض والبرد الذي ألحق الضرر بالسيارات، هل هذا عقوبة من الله؟، قال رحمه الله: «هذا إنذار من الله، أما العقوبة فشيء أعظم»، فالخوف من الله ركن وليس خاصاً بالصالحين بل بجميع من خلق الله. وعن تفريط بعض الناس وتعرضهم للسيول، قال الشيخ العويد: لا يجوز، كما قال النبي: «لا ضرر ولا ضرار»، وقال عليه الصلاة والسلام: «اعقلها»، قال يا رسول الله، أنا سأتوكل ولن يأتي للناقة شيء، قال عليه السلام: «اعقلها وتوكل»، والمسلم بين أمرين توكل واتكالية، والمسلم ليس اتكالياً بين هذا وبين هذا، وقد نهى النبي عن التعرض للخطر فنهى عن المبيت في الوادي. د.جبران يحيى متحدثاً للمحرر. (الشرق)