“أنا القرمطي المبعثر في هلوسات الكرى.. أنا القرمطي الذي شردتني المساءات في عتمة لا ترى..أنا القرمطي المؤجل في شيمة الآخرين، ولا انفكت الطلسمات بروحي عرى..”. هكذا توج الشاعر الأحسائي محمد الفوز ديوانه الشعري (ليل القرامطة) بهذه الرائعة التي تصرفت في اختيار ما استشهد به منها، وإلا فهي منظومة شعرية نفسية نفيسة، فيها أدب اللغة وأدب الحجة التي يبرع في صوغها أمثال أولئك (الهجري) المبدع الذي التقيت به قبل عقد من السنين في أمسية شعرية لمعلمي المنطقة الشرقية، وكان باسقا فيما ينظم كأنما هو نخلة من واحة الخير والطيبة.. الذي أود التأكيد عليه وأنا أعرف بمن هو فوق تعريفي أن المثقف عندما يعبر بشعره عن اختلافه مع غيره يكون أكثر رقياً في التعبير وأبلغ في المقصود.. فهو يومئ ولا يصرح مثلما قال: “.. المؤجل في شيمة الآخرين!”، إضافة إلى براعة توظيف العنوان، فالليل يتناسب مع الاتهام المتداول لأيديولوجية القرامطة الباطنية المنقرضة، فالليل يبطن ولا يظهر، ومفردة القرامطة تخلق بحروفها وظلها التاريخي شعورا بالتوجس والخوف والقلق من الآخر الذي يعتقد ما لا نعتقد.. إن العنوان يجعلنا نستحضر بالاستدعاء أفكارا أخرى وإن بدرجات متفاوتة، ألا يناسب الليل طقوس نيران المجوس التي عبرت المكان في دهر مندثر، أليس الليل هو نفسية النسيان والاغتراب والغموض؟! هذا بالنسبة للعنوان وجزء من القصيدة فما بالكم بالتجربة الثرية التي امتدت روائيا في (لا تثقوا بامرأة).. والتي تواكب زمننا الحالي الذي يتم فيه دفن مياه الخليج هذا الخليج الذي أعطانا القصيبي ومحمد العلي والرفيع والفزيع وعبدالرحمن العبيد.. الذين لم أتساءل يوما عن خلفياتهم، لأنهم علمونا لغة النبل والشعر وطريقة الاختلاف.