ها نحن عدنا وعاد الحجاج إلى ديارهم والسائحون إلى أوطانهم والطيور إلى أعشاشها والموظفون من إجازاتهم والطلبة إلى مدارسهم والعمال إلى تسيبهم والمتخلفون إلى أوكارهم والشاحنات إلى شرايين المدن وأزقتها الضيقة، ومن هذا الخيط الأخير الذي ربما يؤرق كثيرين لاسيما بعد تطبيق قرار منع دخول الشاحنات العاصمة الرياض، وبما أنني من أكثر الناس المصابين ب(الفوبيا) رعباً من الشاحنات، بل وترتعد فرائصي وأتصبب عرقاً خصوصاً إذا أحاطت بي وحاصرتني شاحنتان تحمل إحداهما الأخرى، ولكن على ما يبدو لي أن أصحاب هذه الشاحنات لا ترتعد فرائصهم مثلي ولا في أفواههم ماء وهل ينطق من في فيه ماء؟ وضاربين عرض الجدار بكل قرار يصدر ضدهم يسرحون ويمروحون متخفين وملتفين كالهاربين من وجه العدالة وكأنه لا أحد يراهم أو من يراهم (يطنش) مثلهم! ربما يتساهل المرور أو يغفل عن سد إحدى الثغرات التي يستغلها سائقو الشاحنات القادمة من مصانع الخرج وطريق الدمام، وتنصب كلها في ثغرة شارع سبأ الذي يقع بجوار صناعية حراج ابن قاسم في النسيم الشرقي، ويحدها من الجنوب «طريق المية» أو الطريق المؤدي للحرس الوطني، ومن الشمال مخطط حي الصفوة، ومن الغرب طريق الحرس الوطني الذي يمتلئ ليلاً بمشهد مريب ومخيف من الشاحنات التي تبدو كالإبل السائبة التي دائماً لا يمر يوم إلاّ وهناك حادث احتكاكي وصراع بينهما وكأنه صراع الديناصورات على المنفذ الضيق، ولكن ما يخيف الناس من سكان الحي أنه لو حدث لاسمح الله وانقلبت إحدى شاحنات صهاريج الخدمات من (الغاز، الوقود) لنتج عن ذلك كارثة إنسانية كبيرة يروح ضحيتها الآلاف من البشر!