بدأ الصينيون شيئاً فشيئاً بالحديث عن “الثورة الثقافية” التي قامت في البلاد بين العامين 1966 و1976، وأسفرت عن أحداث مأسوية في عهد ماو تسي تونغ، من خلال متاحف خاصة بدأت تتناول بحذر هذه المرحلة المظلمة من تاريخ الصين الحديث التي راح ضحيتها مئات الآلاف من المواطنين. وأتت فكرة إقامة هذه المعارضة بمبادرة من رجل أعمال صيني يدعى فان جيانشوان يبلغ من العمر 55 عاماً، وهو شديد الشغف بهذه المرحلة التاريخية المضطربة التي استعاد فيها الزعيم الشيوعي ماو تسي تونغ السيطرة على البلاد، بعدما أبعد عن السلطة إثر الفشل الذي باء به مشروع “القفزة الكبرى إلى الأمام”، الذي أطلق في العام 1958م. وفي شينغدو عاصمة إقليم سيشوان جنوب غرب الصين، يملك فان ستة مستودعات يضع فيها مقتنيات الثورة الثقافية، وأكثر من مائة طن من الوثائق ذات الصلة، من بينها 20 ألف مستند من المذكرات الخاصة. ففي تلك الحقبة من تاريخ الصين الحديث، شعر الزعيم ماو تسي تونغ الملقب ب”الربان الأكبر”، بالإهانة لاستبعاده من السلطة، وقرر أن يستعيد السيطرة على الحزب الشيوعي الصيني في العام 1966م، وأن يطهر صفوفه من “التحريفيين” الذي اتهموا بالولاء للاتحاد السوفياتي، سواء عن حق، أو عن خطأ، ما أغرق البلاد في حرب أهلية حقيقية. وشهدت البلاد أعمال عنف رهيبة قام بها الحرس الأحمر، تلتها حالة من الفوضى الشاملة صاحبها تدمير للممتلكات والكنوز الثقافية، فيما كان مثقفو الحزب وكوادره المتهمون بأنهم يسيرون “على خطى الرأسمالية” يعذبون في الميادين العامة قبل أن ينفوا، أو يعدموا. ويقول فان جيانشوان، وهو موظف حكومي سابق عمل لاحقاً في مجال العقارات، وحقق فيه ثروته “إن ما أعرضه لا يعبر عن أكثر من 5% مما جمعته”، وقد افتتح هذا الرجل معرضه الأول في العام 2005، إلى جانب خمسة مراكز عرض أخرى في محيط مدينة شينغدو. وهو يشير إلى الحساسية السياسية للمواضيع التي تعكسها هذه المقتنيات، فيبرر بقاء كثير منها في إدراج المستودعات من دون عرضها. ومازال الحديث عن “الثورة الثقافية” من المحرمات إلى حد كبير في الصين، حيث تشدد السلطات على نظرية “التناغم” الاجتماعي والتنمية الاقتصادية المتواصلة. وتتجنب وسائل الإعلام الرسمية، وفقاً للتعليمات المشددة الصادرة من السلطات، التطرق إلى أي جدال حول تلك المرحلة الممتدة بين العامين 1966 و1976، والتي لاتزال ذكراها حية في أذهان ملايين العائلات الصينية. وفي عصر الرأسمالية، تبدو القيم التي أرساها ماو تسي تونغ خارج الزمن. وقد سجل في الصين هذا العام سقوط سياسي مدو للقيادي في الحزب الشيوعي بو شيلاي أحد المتباهين ب”الثقافة الحمراء”، بعدما أغضبت حملاته الدعائية الشخصيات الرئيسية في النظام. وفي مارس الماضي، حذر رئيس الوزراء الصيني وين جياباو من أن “مأساة تاريخية مثل الثورة الثقافية قد تتكرر” في الصين إذا لم يجر تطبيق إصلاحات سياسية واقتصادية في البلاد. ويقول فان جيانشوان “أعتقد أننا بحاجة إلى ما لا يقل عن عشرين سنة قبل أن نتمكن من الحديث من دون قيود عن الثورة الثقافية”. وبالفعل، فإن المتاحف التي يقيمها هذا الرجل تتجنب ذكر عبارة الثورة الثقافية، وتستبدلها بعبارة “المرحلة الحمراء”، وذلك بسبب ضغوط تمارسها الحكومة، بحسب ما يقول أحد الموظفين في المتحف طالباً عدم ذكر اسمه. أما المتحف الوطني الرسمي في الصين، الذي افتتح في العام 2011، فهو لا يشير إلى تلك المرحلة إلا من خلال صورة واحدة، ونص من ثلاثة سطور. ويفسر فان ذلك بالقول إن “الأولوية بالنسبة للحكومة هي الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، وهم يعرفون أن إقامة متحف عن تلك المرحلة من شأنه أن يثير كثيراً من الجدل”. واختيرت معظم المعروضات بشكل لا يشير مباشرة إلى الأحداث المظلمة التي جرت بين العامين 1966 و1976، إلا أن بعض المعروضات يشي بشيء من العنف. فمن المعروضات مثلاً رسائل تروي ما جرى مع ممثل صيني انتحر في العام 1967 بعدما تعرض للضرب المبرح على يد الحرس الأحمر. ولكن فان يقول إنه يتحفظ عن عرض أشياء تظهر مواطنيه يرتكبون جرائم عنيفة، “احتراماً لحياتهم الخاصة” وتجنبا “لإثارة كثير من الذكريات المؤلمة”. ويعتزم فان افتتاح متحف سابع في العام المقبل، بيد أنه يتجنب الإجابة الواضحة عن سؤال حول ما إذا كانت أحداث الثورة الثقافية تعكس ضرورة إجراء إصلاحات سياسية. ويقول “لا يمكنني أن أتكلم كثيراً حول هذه الأمور، فمن شأن هذا أن يجلب لي شتى أنواع المشاكل، وأنا أريد قبل كل شيء أن أحافظ على مقتنياتي”. أ ف ب | شنغدو (الصين)