المجتمعات التي تتطلع للنهوض والسباق نحو المستقبل تحتاج أحياناً لمن يستفز العقول بالأسئلة الصعبة والمحرجة. عقلية «من ذل سلم» إنما تكرس البلادة والحذر من كل شيء. المجتمعات الحية، مثل الأفراد اليقظين، تحتاج دائماً لمحفزات جديدة على التفكير المختلف. وهي أيضاً بحاجة لمن يساعدها على ترجمة الأفكار، كبيرة كانت أو صغيرة، إلى فعل على الأرض أو منتج بين اليدين. تعبنا من تكرار الفكرة القديمة دون تطوير أو إضافة. سئمنا من ترديد الجمل ذات المعاني الكبيرة والحكم العميقة دون ترجمة إلى فعل يغير من أحوال الأمة ويدفعها للسباق الحثيث نحو المستقبل. ثم حينما يظهر بيننا من يستفز بأفكاره السائد والمألوف تسابقنا لسرد قوائم التشكيك والتخوين تجاهه. إن جاء أحدنا بفكرة غير مسبوقة اتهمناه بحبه لإثارة الجدل. وإن تجرأ أحدنا على نقد الذات قيل إنه صاحب مصلحة أو طامع في منصب. وإن حاول بعضنا حثنا على الاستفادة من تجارب الآخرين قيل فيه «تغريبي» و«تشريقي» و«ليبروصهيوني»! لا تسألوني عن معنى الثالثة فأنا آخر من يعلم! أعرف أن النفس تأنس لما اعتادت عليه. وأدرك أن فكرة «يارب: لا تغير علينا» قد تمكنت من القلب والعقل. لكن الظرف مختلف. والزمن غير الزمن. أن تركض لا يكفي. وأن تسير كما سار الأولين فأنت – عملياً – تسير للوراء. نصف المجتمع اليوم عمره أقل من الخمسة والعشرين سنة. هذا يعني أننا أمام أجيال جديدة طموحاتها مختلفة والتحديات أمامها كثيرة. قيلت كثيراً ورددناها كثيراً: التفكير بعقلية الأمس انتحار. ولا يمكنك أن تتعاطى مع مشكلة اليوم بذات الطريقة التي تعاطاها الآباء والأجداد مع مشكلات الأمس. ولهذا نحن صدقاً نحتاج لمن يثير الجدل دائماً حول مشكلاتنا وكثير من مسلماتنا.