يحتفل العالم هذه الأيام بيوم المعلم العالمي ال19، ويطيب لي هنا أن أستعرض جانباً من آمال وآلام ومعاناة وأحلام المعلم في مجتمعه. يمثل المعلمون شريحة هامة ومحورية في المجتمع، وعمودا فقريا لا يستقيم المجتمع دونه أبداً، فالمعلم، إن كان غيره يصنع السلع والبضائع، فهو صانع الأجيال وباني الوطن، فالتعليم هو المهنة الوحيدة التي تُربّى فيها العقول والأفهام، والمعلمون هم ورثة الأنبياء، وإن كانت بعض الأصوات الحاقدة الجاهلة نالت من المعلم وقالت إنه يأخذ أكثر من حقه، فهذا مردّه إلى قصر نظرهم! ولهؤلاء أقول: مَن الذي يربي ويعلم ويهذب أبناءكم.. أليس المعلم؟ أليس هو أيضاً الذي يربي، ويُعلِّم ابن الطبيب، وابن المهندس، وابن الوزير، وابن القاضي، وابن العالم، وكل أبناء المجتمع؟ إذاً فكل المجتمع يدين للمعلم بالفضل والمعروف، والحقيقة أنه يأخذ أقل من حقه بكثير، فالذي نلاحظه حالياً أن هذا المعلم المسكين ظلم كثيراً، وبخس حقه من قبل المجتمع ككل. وسأقترح وأُجْمل هنا بعض المتطلبات والضروريات الحياتية والتربوية، التي حرم منها المعلم، ويجب أن تتوفر وتتهيَّأ له، ليؤدي رسالته السامية على أكمل وجه: المعلم فقد قيمته وهيبته واحترامه لدى البعض، وهذا مردّه إلى المجتمع من ناحية وبعض القوانين من ناحية أخرى، ولعلَّ من أهم أسباب ذلك هو منع الضرب في المدارس! الذي جعل بعض الطلاب يتجرأون على معلميهم وعلى أهلهم، بل صار بعضهم يعتدي بالضرب عليهم أيضاً! لذا فمن القضايا التي أطالب بها وبشدة – بعد خبرة تدريس دامت 23 عاماً عودة الضرب (المقنّن) إلى المدارس، فهو – برأيي – إحدى الوسائل التربوية الصائبة في كل زمان وكل مكان. ومن المطالبات الملحَّة، حماية المعلم مما يتعرض له من اضطهاد وعنف، من قِبل الطلاب أو ذويهم، وهنا أنحني احتراماً لإمارة المنطقة الشرقية التي عمَّمت على مدارس المنطقة بوجوب رفع كل معلم بأي إساءة يتعرض لها، وحثه على عدم التنازل عن مطالبته حتى يأخذ حقه كاملاً، احتراماً للمعلم ومكانته في المجتمع، فكلُّ الشكر والتقدير لهم. أما عن حقوق المعلم المادية المهدرة فحدِّث ولا حرج! فألوف مؤلفة من المعلمين يعملون بأقل من الدرجة التي أقرَّها النظام لهم، وهذا معناه حرمان المعلم من آلاف الريالات من راتبه شهرياً، هو وأطفاله أولى بها! كذلك حرمت الوزارة معلميها من فروقات تعديل المستوى والدرجة، وهذه الفروقات تصل عند بعض المعلمين إلى 220 ألف ريال! كما أنَّ سُلَّم رواتب المعلمين قديم جداً، أقرَّ سنة 1401 (أي منذ 33 عاماً)! ويعلم الجميع مدى الزيادات التي طرأت وحدثت في الأسعار والإيجارات والمعيشة عموماً، والمطلوب تحديث هذا السلَّم وزيادة الرواتب بما يتماشى مع المتغيرات والزيادات وظروف المعيشة الصعبة حاليا، ونحن نسمع – بحزن وغصة- عن الزيادات الهائلة في رواتب جهات أخرى، بينما المعلم أولى بالزيادة، لما يتكبده ويعانيه ويتحمله! والمعلم لا يمنح السكن أو بدل السكن، والغالبية العظمى من المعلمين مستأجرون، وكثيرون منهم تعدوا سن الخمسين وما زالوا مستأجرين! بل غالباً يتقاعد المعلم وهو لايزال مستأجراً! ومن المفارقات المضحكة المبكية أن الوزارة كانت وما زالت تمنح بدل سكن للمعلمين الوافدين بينما تحرم السعوديين من هذا البدل! كذلك فمعظم القطاعات والشركات تمنح منسوبيها السكن المجاني المؤثث أو بدل السكن ! أعتقد أنّ هذا أقل ما يستحقه نظير جهوده وتفانيه! ويستحق المعلم -أيضاً- توفير العلاج الراقي، والتأمين الصحي الطبي الشامل له ولأسرته في جميع المستشفيات العامة والخاصة، كما يستحق المعلم منحه خصماً خاصاً على وسائل المواصلات، لا يقل عن 50%، فمعظم المعلمين يعملون خارج مناطقهم، ويضطرون للسفر في كل إجازة، وتهدر مرتباتهم في هذه السفريات! كما نطالب بتوفير وإتاحة دورات تدريبية حقيقية ومتنوعة وفعالة للمعلمين، تساهم في الارتقاء الحقيقي بمستوياتهم وتطويرهم، وتنمية قدراتهم، والارتقاء بهم في السلم الوظيفي. ويأمل المعلمون التعجيل بإقرار وتفعيل نظام مراتب وتصنيف المعلمين (معلم خبير معلم أول معلم مستجد .. إلخ)، والوضع الحالي الخاطئ هو أن المعلم الذي أفنى ثلاثين عاماً أو أكثر من عمره في التعليم يتساوى مع المعلم الذي تعيّن للتو! كما أن المهمل المستهتر يتساوى في العلاوة والحقوق تماماً مع المتميز المجتهد المؤدي عمله على أكمل وجه، كما يأمل المعلمون السماح لهم بإكمال دراساتهم العليا وتفريغهم، وعدم التضييق عليهم، ووضع الشروط والعراقيل في طريقهم، وإلغاء شرط (من وصل إلى سن الأربعين يمنع من إكمال دراسته) وجعل الأمر مفتوحاً. وأعرف زميلاً معدله في كلية المعلمين 99%، كانت أغلى أمانيه إكمال دراساته العليا، ولكنه مُنع بسبب هذا الشرط مع العلم أنها السن التي اختار الله عندها أغلب الأنبياء عليهم السلام لأداء الرسالة! وممَن يجني على المعلم بعض وسائل الإعلام؛ فأقل خطأ أو هفوة تحصل منه نراها تسارع لكي تتصدر صفحاتها الأولى، وبأبرز الخطوط والصور الملونة! ثم إنها تغض الطرْف عن فظائع وإساءات ترتكب بحق المعلم جهاراً نهاراً من قبل الطلاب وأولياء الأمور وغيرهم! والقضية الأخرى – وليست الأخيرة- مكافأة نهاية الخدمة، ينال المعلم بعد خدمة قد تصل إلى أربعين عاماً، مبلغا لا يتجاوز 120 ألف ريال فقط! تخيلوا.. لا تكفيه حتى لشراء سيارة جديدة. ومن الأمنيات التي يحلم المعلمون بتحقيقها، تأسيس وإنشاء نقابةٍ للمعلمين، كذلك تأسيس أندية اجتماعية وترفيهية ورياضية خاصة بهم، فهل يتحقق للمعلمين في ظل ميزانية التعليم الضخمة بعضٌ من آمالهم؟.