يلخص مقال اليوم فكرة كتابي «ذكريات الحج» الذي قمت بتأليفه عام 2008م، وسأوضح فيه بعض منافع الحج من خلال ذكرياته سائلاً المولى عز وجل السلامة والتوفيق لحجاج بيت الله الكرام. فالإسلام دين يقوم على أركان خمسة تنير طريق المسلم وتهديه إلى سواء السبيل. فالركنان الأول والثاني يؤديهما المسلمون بشكل يومي. أما الصوم والزكاة فهما ركنان يؤديان بشكل دوري مرة واحدة في العام. أما الحج فإنه واجب لمرة واحدة في العمر وفق شروط معينة حددها الله سبحانه وتعالى على عباده. وبسبب وجوبه في العمر مرة واحدة، فإنه لابد أن تبقى منه ذكرياته التي تجسد الرحلة الروحية – الحياتية. من هذا المنطلق، نجد أن دراسة منافع الحج يجب أن تركز على جانب ذكرياته. نعم يبقى الحج ذكرى، لها فوائدها التي يمكن الاستئناس بها في الحياة. ولكنها ليست ذكرى كأي ذكرى، وذلك لأنها تنقل الإنسان إلى جو روحاني عظيم عاشه وتعلم منه دروساً كثيرة. كيف لا، وقد استطاع في خلال أيام جهاد ترك الملذات؟ يقول الله سبحانه وتعالى: «وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين» (سورة الذاريات الآية 55)، ولكن كيف ينتفع المؤمن بذكريات الحج؟ بمعنى آخر، كيف يستمر في المحافظة على تطبيق القيم المكتسبة من الحج؟ إن كتابة ذكريات الحج الخاصة بالحاج ومطابقتها مع ما هو موجود أصلاً من قيم إسلامية عريقة ستكون مجموعة فوائد تساعده على النجاح في تحقيق أهدافه الشخصية التعبدية – الحياتية بإذن الله تعالى. حيث إن العلاقة بين: القيم، والفوائد، والأهداف علاقة بنائية. بمعنى آخر، غالباً ما تكون الأهداف الناجحة قائمة على فوائد معينة، وتكون هذه الأخيرة مبنية على مجموعة قيم. وديننا الإسلامي الحنيف مليء بهذه القيم المساعدة على النجاح والتفوق. ومن أمثلة القيم الإسلامية: الصبر، التوكل، النظام، الدعاء، الصدقة، مكافأة النفس، الترويح، الشكر، الاستعاذة بالله من الشيطان، القدوة الصالحة… إلخ. وكتابة ذكريات الحج تتطلب منهجية معينة، حيث يمكن تقسيمها إلى جزءين: الذكرى والفوائد. وقد تحتوي رحلة الحج على ست عشرة ذكرى وفائدة. سنأخذ منها في هذا المقال ذكرى قرار الذهاب إلى الحج ونستتنج فائدته. فقرار الذهاب إلى الحج لم يكن اتخاذه بالأمر الهين لأنه يحتاج إلى فترة زمنية حيث يفكر فيه، ثم يميل القلب إليه، وتقوم الجوارح بتنفيذه، فنرى الحاج قد حزم أمتعته إيذاناً برحلة الحج. وإذا قام الحاج بكتابة ذكريات قرار الذهاب، فإنه قد يصل إلى فائدة معينة مفادها: إذا أردت أن تحقق هدفاً ما في الحياة، اعمل واجتهد في إيجاد الأسباب المادية والروحية المؤدية لتحقيق ذلك الهدف، سائلاً الله عز وجل تسخير وتطويع كل الأمور من أجل تحقيق ذلك الهدف. حيث إن فكرة قرار الحج قد تحولت إلى واقع بسبب تحقق قيمتين على الأقل هما الأخذ بالأسباب: المادية والروحية. ولعل ما يبرر ذلك هو لماذا استطاع الحاج تأدية فريضة الحج هذا العام ولم يستطِع من قبل؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب أن نميز بين نوعين من الأسباب في الحياة. أما الأولى فهي الملموسة والمحسوسة، وأما الثانية فهي الأسباب غير المحسوسة. مثال على ذلك، لكي ينجح الطالب في المدرسة يجب عليه أن يذاكر، ومع تلك المذاكرة عليه أن يدعو بالتوفيق، ويتصدق بنية النجاح، ويشكر الله ثم من يساعده لدوام نعمة النجاح. ولكي يحقق الإنسان أي هدف، يجب عليه أن يوازن بين السبب المادي والروحي «الإنسان مركب من عنصرين: أرضي وهو الجسد، وسماوي وهو الروح. وقديماً قام النزاع الحاد بينهما كما يكون بين الشيئين أحدهما للآخر ضد وعدو. والناس في ميلهم لهذا العنصر أو ذاك بين مفرط ومفرط، إلا من كان حكيماً فعرف لكلٍّ حقه وأرضاه بقدر» (موسى، الحج من الناحية الفلسفية، مج 22. ص 33). عندما تنوي تحقيق أي هدف اسأل نفسك: ماذا فعلت لتحقيق ذلك الهدف؟ إذا اجتهد الإنسان وأخذ بالأسباب المؤدية لتحقيق هدف معين ودعا الله سبحانه وتعالى بقلب سليم، فإن الله العزيز الحكيم سوف يسخر ويطوع المعضلات التي تعوق تحقيق ذلك الهدف. وسوف يتم بمشيئة الله تحقيق ذلك الهدف. نرى بعضنا حينما لا يستطيع أن يصل إلى هدفه يقول: لم يحالفني الحظ، لم أصادف من يعينني على تحقيق هدفي، هناك من سحرني… إلخ، هذه علامات التواكل. ولكن، من يوازن بين الأسباب المادية والروحية سيصل حتماً إلى مراده، وهذه فائدة واحدة فقط من فوائد الحج تم استنتاجها من كتابة ذكراها.