ملف السجناء السعوديين في العراق ملف شائك، ولعل السبب في ذلك أن العراق لم تعد «دولة قانون»، فكل أشكال التنكيل والتعذيب التي كان يزعم معارضو نظام صدام حسين وجودها في السجون العراقية قبل عام 2003م لم تعد إلا ذكريات تشبه ذكريات شهر العسل في زواج ملكي أسطوري لحكاية أسطورية، هذا إذا تمت مقارنة الانتهاكات التي كانت تتم في عهد صدام حسين بما يتم الآن في عهد دولة القانون!. نعم، سيترحم العراقيون كثيراً على عهد صدام حسين إذا ما قارنوه بإنصاف مع ما يحدث في العراق الآن. ولعل قصة السجين السعودي «مازن مساوى» ما هي إلا شاهد واحد على وحشية عراق ما بعد التدخل الأميركي، وليس عراق التحرير كما يسميه العراقيون، فما يحدث في العراق لا يحدث في أعتى الدكتاتوريات في العالم، فمازن مساوى على سبيل المثال سجين سعودي اعتقله الأميركان ثم أطلقوا سراحه لأنه بريء، لتعيد السلطات العراقية اعتقاله في شهر أغسطس من عام 2010م، ثم إعادة محاكمته وتوقيعه على أوراق بيضاء تم من خلالها تلفيق التهم الكافية لتبرير شنقه في السادس عشر من شوال الماضي، وترد قصة مازن عبر وسائل الإعلام من آخر حديث له قبل إعدامه، حيث قال: «دمي في رقبة من أقر إعدامي.. أنا بريء .. أنا بريء .. أنا بريء» كانت هذه العبارات القصيرة آخر كلمات نطق بها الشاب السعودي مازن محمد ناشي مساوى الذي نفذت فيه السلطات العراقية قرار الإعدام شنقا حتى الموت، قالها بصوت عال للسجان الذي اقتاده وهو معصوب العينين مكتوف اليدين مكبل الرجلين إلى حبل المشنقة عند الساعة الرابعة والنصف فجرا. وبحسب مصادر مطلعة فإن مازن اقتيد إلى الغرفة المعدة للإعدام شنقا وهو معصوب العينين مكبل اليدين والرجلين يرتدي بدلة حمراء اللون وكان ذلك قبل صلاة الفجر أي في حدود الساعة الرابعة بالتوقيت المحلي العراقي. يقول المحامي قحطان حومد الذي ترافع عن مازن إن عملية قتله كانت مفاجئة رغم أنني المحامي الموكل من قبل مازن قدمت التماسا إلى النيابة العامة بتأجيل تنفيذ الحكم برقم 17377 في 27/8/1433ه وقد صدرت موافقة على ذلك، وأبلغنا السجين بقرار التأجيل، وبدوره أبلغه للسجانين أثناء اقتياده إلى غرفة الإعدام، إلا أن أحدا لم يستمع لهذا الطلب الذي هو موجود لدى النيابة العامة، وعن مبررات إيقاف الحكم أجاب: «القانون يعطي الحق في إيقاف تنفيذ الحكم لا سيما أن مازن سبق إيقافه من قبل القوات الأمريكية قبل أن يفرج عنه لعدم وجود ما يستوجب إيقافه، ثم اعتقل مرة أخرى في 04/08/2010م بتهمة الانضمام إلى مجموعة إرهابية فجرت مركزا للشرطة في بغداد من قبل السلطات العراقية بتهمة أعمال تفجير وإرهاب طبقا للمادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب، حيث جرت محاكمته سريعا، ولم يكن له أي محامٍ يترافع عنه». وذكر: «السلطات نفذت الحكم دون أن يمكن من كتابة وصية أو يسلم حتى متعلقاته الشخصية ودون أن يبلغ محاميه أو وكيله وهذا أمر ترفضه كل القوانين والمبادئ والقيم». وأضاف: «عندما التقيت مازن قبيل عيد الفطر الماضي بأربعة أيام أتذكر جيدا أنه قال لي: (لقد قلت للقاضي وهو يتهيأ للنطق بالحكم إن حكمت بإعدامي وأنت تعلم براءتي فإنني لن أسامحك وسأحاكمك أمام الله)». وأضاف: «نزل الخبر على مازن كالصاعقة، وتسارعت الأحداث وتوالت حتى نفذ فيه الحكم أخيرا». وعن ظروف القبض عليه قال: «قبض على مازن وهو في سيارة تاكسي في محافظة نينوى، حيث كان يمتهن تجارة الخضار والفاكهة ليؤمن قوت يومه، حيث يفترض أن يحال إلى لجنة طبية وهذا مخالف للدستور، وأعمال سير المحاكمة كانت خاطئة وبالتالي فالحكم الذي بني عليه خطأ، لأن أي حق من حقوق المتهم يجب العمل به، وحق المتهم في الدفاع عن نفسه مقدس». وخلص إلى القول: «أثناء لقائي مازن كان منهكا ويتضح عليه التعب، وكان حليق الذقن والرأس وكان لقاؤنا في القسم القانوني دائرة الحماية القصوى سألته لم أنت منهك ؟ فأجاب أشعر بالتعب وأنا صائم والحمد لله، وقد شاهدت على جسده (ويشهد الله) آثارا للتعذيب والتنكيل بالضرب والكهرباء أثناء التحقيق، وقد أكد لي أنه تعرض لأبشع وأشد أنواع التعذيب من سلطات التحقيق لانتزاع الاعترافات منه بالقوة». هذه مجرد حالة واحدة من حالات السجناء السعوديين في العراق، فالتعذيب وتلفيق الأدلة وتنفيذ حكم الإعدام بعد قرار إيقافه ليست كل شيء، فالأمر تجاوز مجرد حديث عن قضية فردية إلى الحديث عن 62 معتقلا يمرون الآن بما مر به مساوى، وإذا لم يتم حل هذا الملف فستكون نتائج تعامل السلطات العراقية معه بهذه الوحشية نتائج بشعة جدا.