اسكنوا الشقق فهي أكثر أمنًا، وأجمل منظراً، وأقل كلفة، وأيسر للتعرف إلى الجيران، وتجنبوا الفلل فهي مجلبة للغبار، قليلة الماء، متلفة للمال. وخطب أبو صمندع القرقعاني يوماً فقال: علموا أولادكم الحشمة والأدب وتحاشوا الشقق فلايسكن فيها سوى دعاة الاختلاط لأنهم اعتادوا الانكشاف على الآخرين وإن سلموا من نوافد الجيران كانوا فرجة للشارع كله. والشقق اختيار الفاسدين فلا يعرف اتجاه داخلها إلا إن كان برفقة حارس. السكن في الشقق ينجي من انقطاع الماء والكهرباء لأن السكان يشتركون في الضرر فيتدافعون لحل المشكلة. اختار هندوب بن قمنطع المحططاني، وهو بخيل مستتر، شقة بجوار مستشفى فكان يدعو أصحابه في ذروة الازدحام فلايجدون موقفاً على أمل أن يعفوه من شروط الكرم إلا أنهم قالوا له: ادعنا إلى إحدى الاستراحات. ومرت على صرطبة العاشر سنوناً لم ينجب فيها فقال له أبوه: أمن ضعف أو علة يا بني؟ فطأطأ رأسه وأجاب: بل شقتي لا عزل في جدرانها يا أبتاه فلايرد الصوت إلا غرفة آخر جار في العمارة. وكان هذيل بن أخت أنس يسمي سكان الشقق «أعداء الشمس وضعاف الأجسام» فلا مجال للنور والحركة. وتفاخر بنكوس الأسمر بشقته فهي تطل على حديقة قصر فارهة فيستمتع بمشهدها كأنه مالكها وحرم صاحب القصر من الخروج إليها! وكنت ومعي صاحبي شربكان المهندم نستمع إلى محاضر يقول: إذا كثرت الشقق في بلد فهي علامة تحضر أو دلالة فقر أو كثرة أجانب أو نقص خدمات. فهمس لي شربكان: بل نعمة المعدد العابر فيسكن كل زوجة في شقة فإن غادرها تورطت هي في ما بعد ذلك. وسمعت رجلاً يقول: لولا الشقق لما تلذذنا بالمسيار!