يصور المخرج والكاتب الأفغاني عتيق رحيمي واقع المرأة في بلده الذي يشهد نزاعات دامية منذ عقود، في فيلمه “حجر الصبر” الذي يعرض حالياً في مهرجان أبو ظبي السينمائي السادس، والمقتبس عن حكاية شعبية أفغانية سبق لرحيمي أن اقتبس منها أيضاً روايته التي تحمل الاسم نفسه، والتي نال عنها جائزة غونكور الرفيعة عام 2008. ومع أن عتيق رحيمي الذي يحمل أيضاً الجنسية الفرنسية لا يكتب إلا باللغة الفرنسية، إلا أن الشأن الوحيد الذي يستهويه في كتاباته هو الشأن الأفغاني، وكذلك لا تتناول أفلامه إلا أوضاع بلاده. و”حجر الصبر” هو الفيلم الثاني لعتيق رحيمي، وهو عنوان أيضاً لروايته المقتبسة عن الحكايات الشعبية الأفغانية والتي جلبت له شهرة عالمية، وهي تصور شهرزاد أفغانية لا تقص حكاياتها هذه المرة لتبقى على قيد الحياة، بل لترجع زوجها إلى الحياة. يرقد الزوج المصاب برصاصة في عنقه في البيت بعد أن يدخل في غيبوبة عميقة تدفع جميع رفاقه السابقين في ميدان القتال للتخلي عنه. وتحاول زوجته الأصغر سنا منه الاعتناء به قبل أن تقرر في بلد تسيطر عليه النزاعات أن تحكي له حكايات لم يكن لتخطر له على بال. وبطلة الفيلم هذه زوجة اقترنت برجل وهي تحت سن السابعة عشرة، لكنها لم تكن تراه إلا قليلاً بسبب تواجده الدائم مع المجاهدين الأفغان، فكانت تقوم بمفردها على رعاية البيت والأسرة في وقت حولها فيه المجتمع إلى شيء لا وجود له ولا صوت ولا حياة. أما الزوج فقد جعلها كأنها جزء من أثاثه المنزلي، لا يلتفت لها كإنسان لها حقوق وواجبات ولا يلقي بالاً لرغباتها. وتجري أحداث الفيلم على وقع الحرب والدمار الشامل، بكل ما يحمله ذلك من تشرد وحرمان ورعب، وممارسات حركة طالبان بسجن وقتل وتعذيب واضهاد من يعارضها. يخوض الفيلم بشكل متدرج في تفاصيل العلاقة الزوجية، وفي الطفولة والواقع، في لعبة توضيب جميلة تضفي شاعرية على العمل، فالرجل في غيبوبة والمرأة، التي تؤدي دورها الممثلة الإيرانية غولشفتي فرحاني، تبوح بكل ما لحق بها من ظلم وقهر في عالم مشحون بالحرمان الجنسي والعاطفي رغم الزواج الذي يتحول إلى علاقة شكلية. ويعرض الفيلم لنزوع المرأة الطبيعي نحو الحب والحرية، وجرأتها في قول رغباتها في لحظة حاسمة ما من تاريخها الشخصي، لحظة غياب الزوج واستمرار غيابه. وهي من خلال عملية البوح التي يرتكز على فكرتها الفيلم والتي تقود حتما إلى استفزاز الزوج تحاول أن تعيده إلى الحياة، وفي نفس الوقت فهي تنتقم بكلامها من تاريخه معها وتريد لقسوتها أن توقظه لينتبه لوجودها أيضاً. رحلة التلاقي مع الزوج الغارق في غيبوبته تبدأ فقط بعيد فقدانه لوعيه، لأنها في هذه اللحظات فقط تكون أكيدة من إمكانية البوح له بكل شيء وتعلم أنه يسمعها. وتتحول هذه السيدة إلى رمز للمرأة الأفغانية المهملة التي تتمرد على ظروفها وتسيطر على وضعها. وتخرج من وحدتها حين تلتقي بشاب من المقاتلين تعرض لوضع مشابه في المعاناة والحرمان والقمع. يفتح فيلم “حجر الصبر” نافذة أمل، وتفاهما من غير كلام بين السيدة هذه والمقاتل الشاب في أفغانستان، هذا البلد الذي يسميه عتيق رحيمي “أرض الرماد”، وهو عنوان رواية أخرى له عن بلده. أ ف ب | أبو ظبي