خلال الأسبوع قبل الماضي تحديدا يوم الثلاثاء 9/11/1433ه استضافت الرياض وزراء العمل في دول مجلس التعاون الخليجي العربي في الدورة 29 لمناقشة الخطط الاستراتيجية لمكافحة البطالة وتوطين الوظائف، وتنفيذ برامج العمل لزيادة فرص توظيف العمالة الوطنية في دول المجلس، وآليات التفتيش ودورها في تفعيل العمل الخليجي المشترك، وبرامج مكافحة البطالة والتأمين ضدها، إضافة لاستعراض تجارب الدول الأعضاء في توطين الوظائف ومكافحة البطالة. انقضت عشرات السنين ووزراء العمل في دول الخليج العربي يخططون ويعملون الاستراتيجيات لمكافحة البطالة وإحلال الوطنيين مكان العمالة الوافدة التي وصل عددها في بعض دول مجلس التعاون إلى عدد مساوٍ لعدد السكان، أو اقترب منه بحسب الإحصائيات الأخيرة، التي تشير إلى خطر حقيقي، لكن السؤال الملح جدا الذي يأتي كبيرا بحجم الحاجة إلى إجابته، ما الذي تحقق من هذه الخطط؟ وما الذي تم تنفيذه على أرض الواقع؟ كنت قد قرأت كتابا صغيرا لا تصل صفحاته ستين صفحة بعنوان: (نحو استراتيجية موحدة لمكافحة البطالة) للدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- هذا الكتاب عبارة عن مذكرة صغيرة تقدم بها في محاضرة ألقاها في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض عام 2005م، وتمت طباعتها لاحقا، وبقيت التوصيات التي ذكرها «مكانك راوح» على الرغم من الاجتماعات المتوالية من المعنيين بتحقيق ذات الأهداف التي من أجلها كتب تلك المذكرة، حيث الخطط التي تهدف إلى تقليص عدد الوافدين للعمل خصوصا في الوظائف التي يمكن إشغالها بالوطنيين، والحد من الاستقدام، بمنهجية مقننة لا تضر بالتنمية، وقد واجه انتقادات شديدة منها مطالبته بحل مشكلة البطالة دون التدخل في مسألة الاستقدام، على الرغم من أن الاستقدام هو عصب القضية التي تفاقمت فيما بعد، وأصبحت العمالة الهامشية عبئا على الوطن مما أضعفت التنمية في كثير من القطاعات. ما زلنا في السعودية حتى الآن نقرأ ونسمع عن وزارة العمل وما تقوم به من إجراءات وتدابير للحيلولة دون تزايد البطالة، وأنها قامت بفتح مكاتب للتوظيف مزودة بأحدث التقنيات، ومحاولة استقطاب بعض الشركات الكبرى وبعض المؤسسات لتوظيف عدد من السعوديين على وظائف مناسبة، لكن ذلك لم يشفع للوزارة بإنهاء البطالة أو تقليصها على الأقل، فالأعداد تتزايد تزايدا مخيفا، والخطط الاستراتيجية لم تقدم حلولا مرضية للشباب العاطل عن العمل، وهذا الأمر يتطلب تدخلا حاسما لمعالجة معوقات السعودة (إحلال العمالة الوطنية بدل العمالة الوافدة) في الوظائف غير التخصصية -على الأقل- في الشركات والمؤسسات وأيضا في الوظائف الحكومية. كيف تتحقق استراتيجة العمل في خفض معدل البطالة وزيادة إنتاجية العامل السعودي؟ هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى إجابة. فمن غير المعقول أن يتحمل القطاع الخاص عبء السعودة، ومن غير الممكن أن تتاح في القطاع الحكومي وظائف شاغرة فوق طاقة الاحتياج الفعلي للوظيفة الحكومية أو زيادة معدل الاحتياج، مع قلة الإنتاج، وكيف نستطيع أن نفيد الوطن بالموارد البشرية المكدسة من الشباب والشابات؟ وبعض هؤلاء يحملون مؤهلات (جامعية) وفوق الجامعية وهم قادرون على تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض الأماكن، وقادرون على إفادة الاقتصاد الوطني السعودي ودعمه، وتميزه بهم، فبعض هؤلاء من البنين والبنات لديهم كفاءات عالية تفوق أقرانهم من الجنسيات الأخرى، فهم بحاجة فقط إلى منحهم الفرصة كاملة ليبرزوا مواهبهم ويظهروا مهاراتهم في العمل. هناك بعض الشركات الكبرى استطاعت أن تفلح في تجارب مفيدة لتوطين وظائفها وبجهود فردية ليس لها علاقة باستراتيجيات التخطيط والعمل الحكومي، ونجحت في ذلك بصورة مدهشة، ومن العوامل التي ساعدت على نجاح تلك التجارب كما يذكر بعض المسؤولين فيها: كتدريب الكوادر الوطنية الشابة، وإيجاد الحوافز المادية والمعنوية، ورفع الرواتب ومنحهم البدلات المناسبة، وذلك لا يأتي إلا بتفهم المسؤولين ووعيهم التام بأهمية المساهمة في إنماء الوطن، وبناء الكوادر التي من شأنها أن تساهم بفاعلية في سوق العمل، وإدراكهم لما تحتاجه شركاتهم التي يديرونها بكفاءة واقتدار. فالكوادر المؤهلة إذا وجدت اهتماما خاصا من مسؤولي العمل الذين يكون سعيهم الجاد والمخلص في توطين الوظائف فإن ذلك بالتأكيد سيعود بالنفع على القطاع الخاص وأيضا على الأفراد العاملين فيه. إن عملية تعزيز السعودة في القطاع الخاص من أهم القضايا التي تشغل عقل وفكر القيادة، التي تدعمها توجهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي يؤكد على ضرورة إيجاد فرص عمل للشباب من الجنسين، لتقليص نمو معدل البطالة، والحد من زيادته.، فماذا تم حتى الآن؟ عندما فتحت البنوك السعودية والمصارف المحلية أذرعتها للشباب السعودي المؤهل وكذلك الاتصالات، وبعض المؤسسات الخدمية، وجدنا الشباب السعودي يشكلون عنصرا مميزا ومهما في عمل هذه البنوك والمؤسسات وقد نجحوا في ذلك بامتياز، مما يجعلنا نطالب بمزيد من إعطاء الفرص في قطاعات أخرى مماثلة للشباب والشابات، فمنح الفرصة هو بداية الاختبار الحقيقي لتصحيح المسار. ولكي نكون أكثر إنصافا، فلا بد من الاعتراف بالجهود المبذولة منذ زمن لمكافحة البطالة لكنها لم تفلح كثيرا في تصحيح ملف استقدام العمالة الهامشية الوافدة بلا عمل، ولم تفلح أيضا في تعديل مناهج التعليم بما يعطي مخرجات من الكوادر البشرية التي تناسب سوق العمل.