لو استدركت من أمري لاخترت من حياتي أجملها، ولو علمت أن لي من الأمر شيئاً، لمسكت تلابيب الأماني، ووضعت نفسي في كل مكان وكل زمان وكل لحظة، ولكن هذا هو قدرنا، نعيش حياة محصورة مابين معكافين، الأول هو الولادة والثاني هو الموت. ومابين ولادتي وموتي تذكرت ذلك الزمن الذي لو عاد، لتغيرت فيه أمور كثيرة، مادفعني لهذا القول هو تذكري لتلك القرية الجنوبية التي تربيت فيها، أتذكر سنوات بداية القرن الهجري الجديد وكيف كان الناس يعاملون بعضهم بود وتقارب وحميمية، كان الجميع يشعر بألم الآخر وكأنه ألمه، وكانوا مجتمعاً ريفياً يحقق اقتصاده بنفسه من خلال رعي الغنم وزراعة الأرض، ذاكرتي مرت بي على بكاء عجائز قريتي رحمهن الله عند وفاة الملك خالد، وكيف عم الحزن بشكل لم تحزن مثله القرية في تلك السنين. أتذكر كيف كان الشباب يصعدون إلى رأس أحد الجبال ويضعون «أريلاً» لمشاهدة بث التليفزيون ومتابعة المباريات، كان يلفحهم البرد، ولكن إصرارهم في البحث عن متعة مختلفة جعلهم يبحثون عن الجديد. إصرارهم على التغيير دفعهم إلى مكافحة الفقر والوضع البائس، والتغيير نحو الأفضل، فمن مبانٍ قديمة من حجر، إلى بيوت فخمة، ولكن ماذا حدث من تغيير مع مرور الزمن؟. التغيير كان ضرورياً، لكنه أفقد ذلك المجتمع بعضاً من نكهته وحوله إلى مجتمع فيه من ملامح القطيعة شيء كثير. وما أجمل زمان تلك القرية بتفاصيلها القديمة.