جدة – واس اعتدالنا اليوم مطلب شرعي وضروري لمواجهة ما تعيشه الأمة من اضطراب وتجاهل للأسس والمبادئ اعتدل عبدالعزيز في التزامه بالدين متأسياً بنبينا محمد – صلى الله عليه وسلم- ولم يتطرف أو يفرط ولم يتنازل أو يتشدد أدعو أبنائي الطلاب وبناتي الطالبات إلى أن يلتزموا بالوسطية والاعتدال في أمورهم وتفكيرهم قام ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مساء أمس بزيارة لجامعة الملك عبدالعزيز في جدة. وكان في استقباله لدى وصوله مقر الجامعة أمير منطقة مكةالمكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، ومحافظ جدة الأمير مشعل بن ماجد بن عبدالعزيز، ووزير التعليم العالي الدكتور خالد بن محمد العنقري، ومدير جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور أسامة بن صادق طيب. وفور وصول سمو ولي العهد صافح وكلاء الجامعة، ثم اطلع على معرض (الاعتدال السعودي: شواهد ومواقف) الذي يجسد مراحل من حياة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن – رحمه الله – في المجالات التاريخية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وبعد أن أخذ سموه مكانه في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات في الجامعة، ألقى مدير الجامعة كلمة رحب فيها بسمو ولي العهد في زيارته للجامعة، وإلقائه محاضرة عن منهج الاعتدال السعودي، منوها باطلاع سموه على مشروع منارات المعرفة. وأعلن موافقة سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز على إطلاق كرسي علمي في الجامعة باسم سموه في مجال أبحاث الطاقة بتكلفة إجمالية قدرها ستة ملايين ريال، يركز على إجراء الأبحاث في مجالات الطاقة المختلفة. ثم قدم الأمير خالد الفيصل سمو ولي العهد لإلقاء المحاضرة التي تحدث فيها عن مؤسس منهج الاعتدال السعودي الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، مرحباً بسموه في هذا المساء المبارك. من جانبه قال سمو ولي العهد مخاطباً الحضور “يسعدني أن أكون معكم هذا المساء في رحاب جامعة غالية على نفوسنا جامعة المؤسس، جامعة الملك عبدالعزيز التي بدأت بفكرة من نخبة خيرة من أبناء الوطن من أهالي جدة كجامعة أهلية ثم تعهدتها الدولة لتصبح من الجامعات الحكومية الرائدة ولله الحمد، وأشكر مدير الجامعة وزملاءه على دعوتي ومشاركتكم هذا اللقاء الذي أعتز به. وأضاف أن الاعتدال منهج عظيم يحكم شؤوننا الدينية والدنيوية، ولهذا حث عليه الدين الإسلامي الحنيف في قوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا)، وسلكه نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه والتابعون -رضوان الله عليهم-، فقد ثبت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قوله (القصد القصد تبلغوا)، والقصد هو الوسط بين الطرفين، وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- (إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)، والاعتدال ليس كلمة تقال، أو وصف لموقف أو شعار برَّاق يرفع، وإنما هو منهج شامل والتزام بمبدأ يحقق مصالح عامة تهدف إلى الخير والنماء. وأفاد أن الاعتدال يشمل جميع نواحي الحياة، فهناك اعتدال في الأكل، واعتدال في الكلام، واعتدال في التربية، واعتدال في الإنفاق، واعتدال في التعامل وغير ذلك من شؤون الإنسان بصفة عامة. وقال إن الملك المؤسس عبدالعزيز رحمه الله طبق منهج الاعتدال متبعاً في ذلك نبينا محمد -عليه أفضل الصلوات والتسليم-، وسيرة أسلافه، حيث اعتدل في مواقفه ورؤيته وسياساته، فكانت هذه الوحدة العظيمة التي ننعم بها جميعاً اليوم ولله الحمد والمنة، فلقد اعتدل عبدالعزيز في إعادة تأسيس الدولة السعودية على المبادئ نفسها التي تأسست عليها الدولة الإسلامية الأولى، والدولة السعودية الأولى، والدولة السعودية الثانية، فلم يكن مغامراً أو مجازفاً بحياة الآخرين سواء ممن كانوا معه أو أولئك الذين كانوا من خصومه، ورغم نجاحه في توحيد البلاد بتوفيق من الله، ثم بمساندة رجاله من أنحاء البلاد لم ينتقم أو يحقد على أحد، وإنما اعتدل ورضي بما تحقق، وشغل نفسه بما يحقق الأمن والرخاء للجميع، بل ومن تميز اعتداله يرحمه الله أنه استعان بهم في مناصب الدولة ومسؤولياتها، وحفظ كرامتهم. واعتدل عبدالعزيز في سياسته الخارجية عندما كان محاطاً بالقوى الاستعمارية التي كانت تراقبه، وتحاول منعه من إعادة تأسيس الدولة السعودية، واستطاع أن يتجاوز أخطارهم، وأن يؤسس المملكة العربية السعودية بعيداً عن أي حسابات إقليمية أو نفوذ أجنبي، وأن يجنب شعبه وبلاده ويلات الحروب العالمية. كما اعتدل عبدالعزيز في مواقفه من بعض مواطنيه الذين ترددوا في قبول بعض التطورات الجديدة والمفيدة لهم، فواجههم بالصبر والحلم والحكمة والعقل. عفا عن خصومه فأصبحوا من أقرب رجاله، وصبر على مخالفيه بسبب قصور في رؤيتهم تجاه المستقبل الذي هو لمصلحتهم، وحاورهم وأقنعهم. واعتدل عبدالعزيز في التزامه بالدين متأسياً بنبينا محمد- صلى الله عليه وسلم-، ولم يتطرف أو يفرط، ولم يتنازل أو يتشدد. وأشار إلى أن الملك عبدالعزيز، قال حسبما نشرته صحيفة / أم القرى / في عام 1356ه “إن الحياة المجردة عن الدين والزاخرة بأنواع القوى ليست حياة، وإنما الحياة الدين والتمسك به، وإقامة حدود الله”. وذكر أنه لكي ندرك حقيقة الاعتدال الذي سلكه الملك عبدالعزيز علينا أن نقرأ التاريخ لأولئك القادة الذين تطرفوا في سياساتهم وقراراتهم وهو ما عرّض بلادهم لويلات الحرب والفوضى، نتيجة لنزوة فردية، أو أيديولوجية بشرية زائلة. وقال ولي العهد نحن اليوم أحوج إلى الاعتدال في خضم التحولات والتيارات والمحاولات المتعددة لتغيير المفاهيم، وتشويه الحقائق، والتأثير على الآخرين باستخدام معلومات ظاهرها مغرٍ، وباطنها غير صحيح ولا ينشد المصلحة للناس. ونحن بحاجة أيضاً إلى تطبيق الاعتدال الحقيقي منهجاً وسلوكاً وثقافة والتزاماً في رؤيتنا للأشياء والحكم عليها وعدم تغليب الانفعال والاستعجال، يقول الملك عبدالعزيز كما ورد في صحيفة أم القرى: ” إنني أتألم جد الألم إذا رأيت بعض الأشخاص يشذون عن الطريق السوي، فيصغون لوساوس الشيطان، ومما لا شك فيه أن المصلحة العامة هي فوق كل مصلحة”، ومصلحتنا اليوم هي مصلحتنا بالأمس؛ لأن أساسنا لم يتغيَّر وإن تغيَّر تفكير بعض الناس أو أسلوبهم في التعاطي مع أمور حياتهم. وذكر ولي العهد أن اعتدالنا اليوم لا يقل أهمية عن اعتدالنا بالأمس؛ لتزايد التحديات، وكثرة المغريات، وتخبط البعض، وتقليدهم للآخرين من خارج بيئتنا ومجتمعنا وديننا. واعتدالنا هو أيضاً في الإفادة من العلوم والمخترعات والتطورات الحديثة في إطار ديننا ومبادئنا وما يخدم مجتمعنا. وبيّن أن اعتدالنا اليوم مطلب شرعي وضروري لمواجهة ما تعيشه الأمة من اضطراب وتجاهل للأسس والمبادئ كي نعزز وحدتنا وقوة بلادنا ونحافظ عليها، وبلادنا ولله الحمد هي مهبط الوحي، وقبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم، ومنطلق العروبة والإسلام، ولهذا أصبح دستورها القرآن الكريم وسُنَّة نبيه الكريم، واعتدالها في المنهج والمواقف والرؤية معتمداً على أساسها الإسلامي الواضح، فأين تلك الدعوات البشرية والانفعالية لقومية عربية براقة لا أساس لها، وأين هي تلك الإيديولوجيات الكبيرة التي تابعها البعض وأيدها ؟ لم تبق أو تصمد لأن أساسها غير حقيقي ولا يتصل بالإسلام ومبادئه بل تناقضه وتصادمه، وبلادنا هي منطلق العروبة والإسلام، حيث نزل فيها القرآن بلسان عربي، على نبي عربي، وقام أبناؤها بنشر هذه الرسالة الخالدة بأمر المولى عز وجل في أنحاء العالم بشكل معتدل، ونحن شرفنا الله بخدمة الحرمين الشريفين، وهي مسؤولية عظيمة نتولاها بكل ما نملك من مقدرات، وما لدينا من شعب وقيادة، وشرفنا الله عز وجل أن نخدم قضايا الأمتين العربية والإسلامية في اعتدال حقيقي يقوم على مبادئ الدين لا على أساس المصالح، وما نملك في بلادنا من ثروات مادية لا ترقى إلى ما نملكه من ثروة العقيدة الإسلامية، والرجال والنساء في بلادنا المخلصين لدينهم وأمتهم، ولقد استعملت بلادنا ولا تزال ولله الحمد والمنة ثرواتها المادية وغير المادية لخير الجميع من العرب والمسلمين بل والعالم أجمع. وقال: “اعتدلنا ولا نزال في سياستنا الخارجية منذ توحيد البلاد على يد المغفور له الوالد المؤسس الملك عبدالعزيز ورجاله المخلصين في أنحاء الوطن، فصداقتنا معتدلة مع الجميع ونعطي الأولوية لأمتنا العربية والإسلامية، بل وبلادنا معتدلة أيضاً في مواجهة خلافات الآخرين، حيث تترك المجال دائماً رحباً للعودة والمصالحة دون انتقام أو انعزال أو مصادمة، وهذا هو الاعتدال الحقيقي”. وأضاف أن اعتدالنا اليوم هو شكر لله عز وجل على ما حبانا من نعمة التوحيد والدين الصحيح، ونعمة الوحدة الوطنية والأمن والاستقرار التي نتفيأ ظلالها ويحسدنا عليها الكثيرون. وأفاد قائلاً: “بهذه المناسبة أدعو أبنائي الطلاب وبناتي الطالبات إلى أن يلتزموا بالوسطية والاعتدال في أمورهم وتفكيرهم لأنها هي الطريق الصحيح الذي سنه لنا الله عز وجل في وسط هذا العالم الذي يموج اليوم بالفكر والآراء منها ما هو جيد ومنها ما هو رديء”. وأضاف أن هذه البلاد قامت على الاعتدال والعدل منذ تأسيسها قبل أكثر من 270 عاماً واستمرت على منهجها الإسلامي العظيم هذا في عهد الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه- وسار على منهجه أبناؤه الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد – يرحمهم الله-، وسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله – يحفظه الله. وأوضح أن هذا المنهج هو منهجنا جمعياً ونحن بصفتنا مواطنين مسؤولين عن المحافظة عليه والالتزام به لأنه أساس قيام بلادنا على الكتاب والسنة النبوية وأساس وحدتنا في أنحاء هذا الوطن الغالي، ولنتذكر ما قاله الملك عبدالعزيز – رحمه الله “على كل فرد من رعيتنا يحس أن ظلماً وقع عليه أن يتقدم إلينا بالشكوى، وعلى كل من يتقدم بالشكوى أن يبعث بها بطريق البرق أو البريد المجاني على نفقتنا، وعلى كل موظف بالبريد أو البرق أن يتقبل الشكاوى من رعيتنا ولو كانت موجهة ضد أولادي وأحفادي وأهل بيتي، وليعلم كل موظف يحاول أن يثني أحد أفراد الرعية عن تقديم شكواه مهما كانت قيمتها أو حاول التأثير عليه ليخفف لهجتها أننا سنوقع عليه العقاب الشديد، لا أريد في حياتي أن أسمع عن مظلوم ولا أريد أن يحملني الله وزر أو ظلم أحد أو عدم نجدة مظلوم أو استخلاص حق مهضوم، ألا قد بلغت اللهم فأشهد” ونحن سائرون بإذن الله على هذا المنهج وسنحافظ عليه. وفي نهاية المحاضرة أجاب سموه عن أسئلة الحضور، ثم تسلم سمو ولي العهد هدية تذكارية بهذه المناسبة من مدير جامعة الملك عبدالعزيز. ولي العهد يستمع لشرح عن مشروع منارات المعرفة بجامعة الملك عبدالعزيز (واس) .. ويتحدث عن منهج الاعتدال في جامعة المؤسس