خلق المولى عز وجل الإنسان وجعله اجتماعياً بطبعه وفطرته الطبيعية، يؤثر ويتأثر ويتفاعل بمن حوله، ولا يستطيع أي منا أن يعيش أو يتعايش في بيئة لا يوجد فيها بشر. هذا الخيار الملزم للناس هو خيار المولى عز وجل لغاية يعلمها هو، وغايتها أن يستطيع الإنسان عمارة الأرض، وتأصيل مبدأ الخلافة فيها. والإنسان تحكمه العلاقات الاجتماعية بالآخرين بناءً على مبدأ المصلحة، أو المكاسب والخسائر، أياً ما كانت تلك العلاقة، سواء في إطار الأسرة، أو العمل، أو حتى في العلاقات الحميمية القريبة، كالصداقات مثلاً. وكلما كانت العلاقات الإنسانية أكثر قرباً، وأكثر حميمية، كلما دخلت في ما يُعرف بعلم الاتصال الإنساني ب»دائرة العشم» التي عادة ما تتخللها ثقافة قلة الذوق. فذلك الطفل الذي يصحو من نومه وينادي بصوت عالٍ ومتجهم على والدته، أو الشغالة في المنزل، لطلب أكل معين، أو غرض ما، يعطي رسالة مفادها أنه من ضمن مسؤولياتهم، وخيارهم الوحيد «تقبلوني كما أكون». والصديقة التي تتصل بصديقتها المنقطعة عنها فترة ما وتصفها ب «يا …»، وخذ من مسميات بعض الحيوانات. وتبادرها الأخرى بالرد نفسه، هو في حقيقة الأمر دلالة لنا واضحة بأنه كلما اقترب الإنسان أكثر في علاقاته من المحيطين حوله كلما طغت عليه ثقافة قلة الذوق، وعدم الاحترام. في حين تجد من جانب آخر أن ثقافة الذوق والاحترام تزيد مع الغرباء، وتتردد كلمات أمثال «شكراً»، «الله لا يحرمني منك»، «سعادتك»، مثلاً، بين الرئيس ومرؤوسه، أو بين العاطي والمانح في العموم. سمعت أخيراً كلاماً كبيراً عن الدكتور إيهاب فكري أنه كما هو معروف عن مندوبي المبيعات بأن وظيفتهم تعتمد إلى حد كبير على طريقة فهم النفسيات وطريقة إحسان الحديث، وانتقاء الكلمات، وحسن التصرف، وسرعة البديهة، وفن الإقناع، وأن تلك المهارات لا يكتسبها شخص تعلمها ليعمل بها وهو لم يعايشها كواقع في حياته، وبالتالي فإن الطرق الحديثة لتدريب مندوبي المبيعات يعتمد على البيئة الأسرية الطبيعية، ومن خلال طرق تعامل هؤلاء الأشخاص مع زوجاتهم وأبنائهم.. إيماناً منهم بأن فاقد الشيء لا يعطيه!