تتشكل الشخصية الإنسانية من بُنى مختلفة بعضها سطحي والآخر عميق، بعضها واعٍ، والآخر في مناطق بعيدة عميقة، وغير متمايزة بشكل واضح. وتتشكل شخصية الإنسان عبر المراحل المختلفة من الحياة، إلا أن مرحلة الطفولة تمثل المرحلة الأهم. وتتفاعل العوامل المختلفة بيولوجية، وعصبية، واجتماعية، وتربوية، وثقافية، في تشكيل هذه الشخصية بشكل متباين، وهناك مؤثرات مباشرة وغير مباشرة في التأثير على الشخصية، وأخرى لا يمكن ملاحظتها، مثل انفعال الفرح والسعادة، وهذا الجانب له ارتباط قوي بالجانب العصبي، حيث يشكل إدراك الفرح والسرور رضا وارتياحاً عصبياً داخلياً، بينما يتسبب إدراك الألم في التوتر وعدم الرضا والارتياح، من خلال مصطلح الإشباع الوظيفي satisfaction، ومعظم العوامل الثقافية والاجتماعية تفعل أثرها على الشخصية بشكل غير ملحوظ، من خلال أثرها على الجانب العصبي، ولهذا أدركت المجتمعات المتحضرة أهمية الفرح، وتسعى لإشاعته من خلال نشر ثقافة الفرح والاحتفالات، لأن المردود النفسي للفرح والسرور لا يتوقف على الإسهام في بناء شخصيات تتمتع بالصحة النفسية، بل يتعدى هذا إلى الإنتاج، وقد تكون كلمة recreation التي تعني الاستجمام، أو الترفيه، لها دلالاتها الحرفية في إعادة النشاط وإعادة خلق الروح المعنوية في العطاء والإنتاج، والحالة المزاجية تنعكس على العلاقات الأسرية وتربية الأبناء. والمجتمعات التي تعلي من قيمة الفرح والسرور لإعادة خلق القدرات الإنتاجية تجدها مجتمعات منتجة، بعكس الفكرة السائدة أن الفرح نوع من إضاعة الوقت والعبث، فالمردود النفسي أكثر فاعلية، ولهذا تجد المجتمعات الصناعية بقدر ما تُعلي من ثقافة الإنتاج والعلم تجدها تعلي من قيمة الترفيه والفرح والسرور، وإقامة الاحتفالات، لأنها تعي المعاني النفسية لها. وترتبط السعادة علمياً، كما يرى «مايكل أرجايل»، في كتابه «سيكولوجية السعادة» بعامل عام يمكن قياسه اسمه (الرضا الشامل)، ويمكن تقسيم هذا العامل إلى عوامل محددة، مثل العمل، والزواج، أو الصحة، أو القدرات الذاتية، أو تحقيق الذات، ولكنها تمثل كثيراً من الجوانب الانفعالية، مثل الشعور باعتدال المزاج، والفرح والسرور؛ إنها شعور بالبهجة والاستمتاع واللذة. وتتفاعل الأحداث الخارجية مع الحالة الشخصية، وخصوصاً الانفعالية، من خلال استجابة العوامل الداخلية لأحداث الحياة الضاغطة، مما يؤثر على المواد المسؤولة عن الإحساس بالمتعة والسعادة، مثل «الدوبامين». وفي ظل الظروف التي يعيشها المجتمع، والبطالة، وفي غياب الترفيه، يلجأ الشباب إلى تحفيز هذه المواد عن طريق المخدرات والمنشطات، مما يدفع بنسبة كبيرة إلى الإدمان. الآن، وبعد أن أوضحنا القليل عن العلاقة بين أهمية الترفيه في بناء الشخصية والإنتاج، وغيابه في ظل ظروف ضاغطة قد تؤدي إلى الإدمان والأمراض النفسية، نتساءل، لماذا تغيب أهمية الترفيه عند بعض الشباب، وما المقصود بتجاهل احتياجات الناس الترفيهية.