ملحمة التوحيد التي قادها المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود الباني لنهضة الدولة السعودية الحالية، هي محطة من المحطات الرئيسة التي صاغت هويتنا وحددت ملامحنا وشكلت شخصيتنا الحديثة، بل أسطورة فريدة في فصولها التاريخية ابتداء بوسط شبه الجزيرة العربية في قلبها النابض (نجد) واستمرت تباعا في جميع أنحاء البلاد حين امتدت للمناطق الشرقية، ثم تواصلت إلى المنطقة الغربية حيث الحرمين الشريفين، مهد النبوة ومهبط الوحي، وانطلقت بخطى واثقة إلى أطرافها في الشمال وضمت تحت جناحها مناطق الجنوب بجبالها وسهولها، وبرها وبحرها. والمتتبع لتاريخ توحيد هذه الأجزاء من شبه الجزيرة العربية يدرك مدى أهمية اللحمة الوطنية التي أرسى قواعدها المؤسس طيب الله ثراه، تحت راية لا إله إلا الله، وجعلها ركيزة البنيان، في ظل الشريعة الإسلامية السمحة، ومبادئ العقيدة الصافية، ومناهج الإصلاح والتقويم والتطوير التي سار عليها أبناؤه من بعده في ظل الحب والوئام والتلاحم الراقي بين الشعب والقيادة. عند احتفائنا باليوم الوطني تبرز شخصية الملك عبدالعزيز آل سعود الأكثر حضورا في ذهنية الشعب السعودي، فقد صنع دولة حضارية حديثة بمواصفات عالمية في ظل الظروف المعيشية القاسية التي واجهته عند التأسيس، بالإضافة إلى ضعف الموارد الاقتصادية، ومواجهته لمجتمعات بدوية تتجاذبها الفرقة والشتات، والنزاعات القبلية، والتخلف والجهل والفقر والأمراض، إلا أن دهاء الملك عبدالعزيز وحنكته وحكمته ومؤهلاته الشخصية القيادية، وإيمانه العميق بالأرض والإنسان كل ذلك أهله لأن يخترق هذا المجتمع، ويستفيد من رجال القبائل ومشايخهم، ويشحذ فيهم الهمم ويستثمر القدرات، ويزاوج بينها وبين الخبرات التي استعان بها ليصنع دولة عصرية تحتضنها صحراء الجزيرة العربية، ويجعل الرياض -قلب نجد- عاصمة لها حيث الصروح الشامخة والأبراج العالية، والمنجزات الحضارية التي تحققت في زمن قياسي. منذ بدء الدولة الإسلامية الأولى وهذه البلاد يتميز الحكم فيها بالعلم والعدل والإنصاف، والحكمة والحنكة والحلم، وكانت القوة العربية من نصيبها، ومازالت -بفضل الله- في الصدارة الإقليمية دينيا وسياسيا واقتصاديا، وهذا ما يجعلها تقود العالم الإسلامي بثبات على المبادئ الراسخة، والأسس القويمة التي تدعو لها الشريعة السمحة. إن ذكرى اليوم الوطني تختصر تاريخا حافلا بالمنجزات السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية التي تتمثل في خصوصية المواقف الرائعة التي جبلت عليها القيادة الحكيمة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله-، هذه القيادة التي تعاملت مع الفكر الإنساني بعمق الرؤية، وتحقيق المساواة وإرساء العدل، وصدق المكاشفة ومنهج الإصلاح، وأبعاد التطوير بمختلف اتجاهاته، فتحققت منجزات فعلية على أرض الواقع شهد لها القاصي والداني، وهي محل اعتزاز وفخر لكل من ينتمي لتراب هذا الوطن. إن احتفاءنا بذكرى اليوم الوطني كل عام يعد فرصة ثمينة لمناقشة السلبيات الفائتة وتعزيز الإيجابيات التي تضمن استمرار البناء والنماء، وكذلك غرس معاني الفداء والوفاء لأولئك الذين ضحوا بدمائهم من أجل بناء وطن يتميز بقوة الأمن والأمان، والعمل على تحقيق رفاهية مواطنيه، والحرص على تعميق الحس الوطني لدى شبابه وزرع معاني الانتماء إلى الأمة الإسلامية ومبادئها التي غرسها هدي النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام. إن احتفاءنا باليوم الوطني يحتم علينا نبذ الفرقة، ولم الشمل، والابتعاد عن الخلافات المذهبية والطائفية، والالتفاف حول الوطن وتكريس الوطنية الحقيقية بصدق الولاء والانتماء والحب لهذا الوطن وأهله، وعلينا الابتعاد عن العصبية الجاهلية، وعدم التفرقة العنصرية بين مواطنيه، ومحاربة الفساد بكل ألوانه وأشكاله وصوره، والابتعاد عن كل ما من شأنه يفت في عضد اللحمة الوطنية، فوطن كهذا يستحق منا الكثير للمحافظة عليه، كيانا وإنسانا. إن احتفاءنا باليوم الوطني يجب ألا يكون شعارات جوفاء نرددها في صباح أول الميزان من كل عام، بل يجب أن نستحضر الماضي ونناقشه بجدية وفاعلية، ونذكر حسناته، ونعالج سيئاته، ونستشرف المستقبل بكل صدق وأمانة، ونخطط له ونعمل على تطوير المنجز بالجد والاجتهاد والإخلاص في العمل. كبير أنت يا وطني وكثير أنت بكل حالاتك، فمهما كتبنا لن نوفيك حقك، فاسمح لي يا وطني العزيز أن أختم مقالي بقصيدة قلتها ذات يوم احتفاء بيومك/ تحت عنوان صباح الوطن، وهي ضمن قصائد مجموعتي الشعرية (تقاسيم على جذع نخلة). صباح الخير يا وطني.. صباح باسم الإشراق.. منذ ولادة التاريخ، حتى آخر الزمن.. *** صباح الرمل والصحراء والواحات، والمدن.. صباح ملء أوردتي بطهر ثراك يسكبني صباح الخير يا وطني **** فكم كانت بحار المد في وديان أعماقي بلا ميناء يشربني وزورق عمري الرحال من بحر إلى بحر مع الأمواج يقذفني وتأتي أنت يا وطني.. فتحمل خفق أشرعتي وتحضنها، وتحضنني *** صباح الخير يا وطني. صباح رائع الإصباح في عينيك يكتبني. وساريتي على الأثباج أطوي تحتها عمري ودوامات أفكاري تعود إليك من سفري تعود إلى شواطئها فأنت المرفأ الأوحد.. صباح الحب يا وطني..