تدور ساعة الزمن، وتتوالى الأيام يوما بعد يوم، فيكتمل العام، ليشهد الوطن يومه التاريخي الذي يسمى «اليوم الوطني».. إنه يوم في كل عام تحل ذكراه على ربوع الوطن الغالي، ليستجلي فيه كل مواطن وكل دارس وكل راصد وكل مؤرخ، التضحيات العظيمة التي قدمها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، ورجاله المخلصون رحمهم الله تعالى جميعاً، وأثابهم خير الثواب. فلقد خاضوا المعارك، وركبوا الصعاب والأهوال، وضربوا في الأرض شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً لتوحيد الوطن، وذلك في زمن صعب وعصر عصيب، فقد كانت الفرقة والاختلافات والحروب والتعصبات والجهل والتشرذم والجوع والفقر والمرض والخوف أهم المظاهر السائدة على رقعة الوطن في الهجر والبوادي والقرى والحواضر إلاّ ما رحم الله تعالى، كما كانت مخاطر الاستعمار والحروب العالمية والاستهداف الإقليمي والأطماع الدولية والمكائد والدسائس تحيق بالوطن من كل حدب وصوب. ولكن في ظلّ كل هذه الظروف المعقدة انبرى الإمام الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، رحمه الله تعالى، يوحد الوطن أرضاً وإنسانا وعقيدة ودينا وحضارة وثقافة وأمنا وأمانا، فكان له، رحمه الله تعالى، ما أراد، لأنه أخلص النية وأحسن التوكل على الله تعالى، فمكّن الله له في الأرض وآتاه الملك وجمع له الأمر، فانطلق رحمه الله ببصيرة وثبات لبناء الوطن ينشر العلم ويجتث الجهل ويحل الأمن مكان الخوف، والوحدة بدل التشرذم، والمواطنة الواسعة فوق العصبية الضيقة. فتحقق له ما أراد، واجتمعت عليه القلوب، وتوحدت به النفوس، وشاع على يديه العدل، وفتح الله له خزائن الأرض، ووفقه الله تعالى لبناء الوطن الغالي الذي نعيش على أرضه، وننعم بخيراته ونقطف ثماره اليانعة، فهل نستجلي هذه الحقائق – لا أقول في اليوم الوطني، بل في كل يوم وفي كل وقت – فنكون جميعا فداء لوطننا الغالي، نحافظ عليه كما كان الآباء والأجداد فنبني ولا نهدم، ونوالي ولا نعادي، ونخلص ولا نخون، هذا هو واجبنا جميعاً.. وهذا ما ينبغي أن نستجليه في يوم الوطن، وما ينبغي أن نسعى له، فالوطن يستحق منا كثيرا، ويجب أن يكون فوق كل اعتبار.. ومن لا يحمي وطنه لا يستحق أن يعيش فيه. إن وطننا، ولله الحمد، هو أقدس الأوطان، هو مهد الرسالة، وحاوي الحرمين الشريفين، ونحن أمة عظيمة لها تاريخ مجيد ومشرف، أمة يجمعها دستور سماوي مقدس، هو القرآن الكريم؛ الذي يأمرنا الله تعالى فيه بعدم الفرقة، فيقول تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)، ويقول تعالى: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم). أفبعد هذا الأمر الإلهي يكون من بيننا مَن يسعى إلى الإضرار بوحدة الكلمة وبناء الصف، فيعصي ربه بمخالفة أمره، ويعصي ولاة الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم، ويخون وطنه وهو يعلم أن الخير كل الخير في وحدة الكلمة وصون الوطن والمحافظة على المكتسبات حتى نكون خير خلف لخير سلف؟.