يعد التقويم من أهم عناصر المنظومة التربوية، بل المرتكز الأساسي لها باعتباره المعيار الحقيقي لتشخيص مواطن القوة والضعف في النظام التربوي، ولهذا تطور مفهوم التقويم التربوي، وأخذ الشكل المؤسسي. ونظرًا لزيادة المؤسسات التي تقدم الخدمة التعليمية، وفي عالم الشفافية والمحاسبية والمسؤولية، فقد أصبح من معايير الحكم الأولي على الأنظمة التعليمية، وجود هيئتين أساسيتين: هما هيئة القياس والتقويم، وهي الهيئة المسؤولة عن قياس المنتج، ومدى جودته، والحكم عليه، وهيئة التقويم والاعتماد، وهي الهيئة المسؤولة عن المدخلات وملاءمتها لإنتاج جيد، وبالنظر إلى خارطة التعليم في الوطن العربي سنلاحظ أن دولاً قليلة تمتلك هيئات متخصصة مستقلة للحكم على المدخلات والمخرجات.وتكمن أهمية هذه الهيئات في قدرتها على ضبط إيقاع العملية التربوية والتعليمية، والحكم على مدى تحقيق الأهداف والغايات، وكذا التنبؤ بنوعية المخرجات ومكامن الخلل وتوصياتها وبالإجراءات اللازمة للإصلاح، ولعل كثيرين قد أصيبوا بخيبة أمل عند ظهور نتائج الاختبارات الدولية للرياضيات والعلوم، حيث حصدت الدول العربية المراكز الأخيرة بلا منازع، ولدورتين متتاليتين، وكذا الغياب الكلي للجامعات ومؤسسات البحث العلمي، ومؤسسات التعليم الفني من كافة التصنيفات الدولية، عدا وجود جامعة الملك سعود ضمن ال 500 جامعة الأولى على مستوى العالم، إن مرد تلك الصدمة أو خيبة الأمل أن أغلبنا وقع تحت تأثير أن برامج التطوير، وبرامج دعم التعليم العالي ومؤسسات التعليم الفني والتدريب المهني قد أنجزت مهامها، وحققت أهدافها، وذلك باعتمادنا على مقاييس ذاتية في الحكم على جودة المنتج، وكذا تفاعل المدخلات، وهذا يبين لنا أن صوابية الأحكام لابد وأن تصدر من مؤسسات متخصصة. إن الجهود العظيمة التي تبذلها الدول في سبيل تطوير أنظمتها التعليمية تستلزم أدوات جديدة لتطويرها، ومعايير عالمية للحكم عليها، باعتبار أن المخرجات التعليمية اليوم (بكل مستوياتها هي مخرجات عالمية في ظل عالم الاتصالات فائقة الأداء والتجارة العالمية والسوق المفتوح)، وإذا كان الأمر كذلك فإنها أيضًا دعوة لتبني مؤسسات إقليمية تعنى بقضية الجودة، تؤول إليها قضية ضبط الجودة، وإذا كان قادة مجلس التعاون الخليجي قد أوضحوا استراتيجية المستقبل بجملة واحدة هي «من التعاون إلى الاتحاد» ولأن التعليم وجودة مخرجاته تحدِّ للمستقبل فإن إنشاء هيئة خليجية لذلك عده أولوية تربوية وسياسية واقتصادية.وهذا هو فحوى ما احتوى عليه التوجه المحمود للمملكة العربية السعودية المتمثل في إنشاء هيئة مستقلة لتقويم التعليم العام لضمان جودة وتقويم أداء المدارس الحكومية والأهلية، الذي صدر به قرار من مجلس الوزراء الموقر. وقد آن الأوان لأن ترى ساحة العمل التربوي المشترك في دول مجلس التعاون الخليجي هيئة مستقلة للتقويم والجودة.