تعرَّضت «دينا عماد» للتحرش الجنسي من قِبَل سائق دراجة بخارية في شارع هادئ شرق القاهرة، وذلك قبل ثلاثة أشهر. لكن دينا، ذات ال 22 ربيعاً، قررت أن لا تصمت وأن تلاحق بنفسها المتحرش الذي تواجهه قريباً في ساحات المحاكم، إلا أن مئات غير «دينا» ممن يتعرضن للتحرش يومياً يصمتن خشية الفضيحة ولا يجدن من يدافع عنهن، وهو الدور الذي قررت حركات شبابية القيام به مثل حركة «بصمة» التي قررت مواجهة التحرش في مصر بدءًا من مترو الأنفاق. وتعاني مصر خلال السنوات القليلة الماضية من انتشار ظاهرة التحرش الجنسي بحق النساء، كما تتفاقم الظاهرة بشكل جماعي في الأعياد والمناطق المزدحمة والمواصلات العامة، ورغم ذلك، لاتزال محاضر التحرش قليلة للغاية. وفيما كانت «دينا» تشير للشارع الذي تعرضت فيه للتحرش في يونية الماضي، قالت ل «الشرق» بأسى، «تم التحرش بي لفظياً من قبل ككل المصريات، وتوقعت أن يتم التحرش بي جسدياً يوماً ما لذلك لم أكن مصدومة وصممت على الإمساك بالمتحرش». اللافت، أن التحرش، لفظياً أو جسدياً، يطال الجميع، فالملابس المحتشمة أو النقاب لا يمنعان التعرض للتحرش في مصر، وهو ما علقت عليه «دينا»، التي تعمل كمدرس مساعد في كلية الحاسبات والمعلومات في جامعة القاهرة ولا ترتدي ملابس ضيقة أو مثيرة، بقولها، «تعرضت للتحرش وأنا أرتدي جاكيت أسود بأكمام طويلة في الصيف، واليوم لم أعد أرتديه لأنه لم يعد يحميني». وتكمل بعد أن أزاحت نظارتها الطبية عن وجهها، «الناس في الشارع تركوا الشاب يهرب لكنني تحفظت على دراجته وذهبت لقسم الشرطة، فعلت ذلك من أجل حقي وحق كل المصريات، التحرش لن يتوقف بصمتنا». وتضيف عماد، التي تُقاضي حالياً المتحرش بها البالغ من العمر 19 عاماً، «الحادثة جعلتني أكثر قدرة على التعامل مع الناس، أعطتني شجاعة اجتماعية»، مشددة أنها لن تتنازل عن قضيتها تحت أي ظرف. وتفتقد كثير من المصريات الشجاعة اللازمة لمواجهة المتحرش خصوصاً في ظل عدم حماية الشرطة لهن، ومؤخراً ظهرت حركة «بصمة» لمواجهة التحرش بالنساء في محطات المترو، وهو وسيلة النقل الأكثر ازدحاما في القاهرة. وتُخصِّص إدارة المترو سيارتين للسيدات في كل قطار، لكن بعض الرجال دأبوا مؤخراً على استخدامها بالمخالفة للقانون، كما استحدثت إدارة المترو رقم تليفون ساخناً لتلقي شكاوى الركاب حول حالات التحرش الجنسي بالتنسيق مع شرطة النقل والمواصلات، لكن ذلك لم يكن كافياً لمنع الظاهرة. وتقول إحدى مؤسسات الحركة، نيهال سعد زغلول (26 عاماً)، إن «بصمة» تحاول حماية سيارات السيدات في المترو بالوقوف أمامها وتوعية الركاب ضد التحرش الجنسي كما تحاول دفع رجال الشرطة للتحرك بشكل إيجابي، وتتابع زغلول حديثها ل «الشرق» قائلة، «نتحدث بهدوء، نستخدم حججاً مقنعة ولا نتعارك مع أحد». وخلال ثلاثة أيام، سجلت «بصمة» عشرين حالة تحرش، لكن سيدتين فقط سجلتا محاضر رسمية بذلك، ما يشير إلى عزوف كثير من المتحرَّش بهن عن الدفاع عن أنفسهن بالوسائل القانونية، كما نظمت الحركة دورات تدريبية للمتطوعين بها، الذين بلغ عددهم نحو 75 معظمهم من الشباب، للتدريب على كيفية مواجهة التحرش في الشوارع. ويعتقد أحد مؤسسي «بصمة»، ويدعى عبدالفتاح محمود، أن الأزمة وراء التحرش تكمن أساسا في المجتمع المصري قائلا ل «الشرق»، «الأزمة الحقيقية أن أحدا لا يعلق على التحرش وعندما يتحدثون يلومون السيدات، وبالتالي يزداد الوضع سوءًا». وأثناء انتظارهن سيارة المترو، رفضت كل السيدات الحديث مع «الشرق» حول رأيهن في التحرش، لكن بولا جرجس قال، «المؤسف أن البعض يعتقد أن التحرش حق للمتحرش».ويعتقد كثيرون أن سلبية المجتمع في التعامل مع حوادث التحرش تعطي إشارة خضراء للمتحرشين في ممارستهم سلوكهم بحق السيدات، وقبل شهور تكونت حركة «خريطة التحرش» لمواجهة الأمر. ويقول أحد مؤسسي الخريطة، محمد الخطيب، «نسعى لإنهاء القبول المجتمعي للتحرش الجنسي ونحاول توعية المواطنين بالأمر في جولات ميدانية دورية لنا». وتعتمد «خريطة التحرش» على بيان أكثر المناطق المعروفة بالتحرش كذا بيان المناطق الآمنة من التحرش، ويوضح الخطيب، «الأمر منتشر بين الجميع، يقوم به الغني والفقير، الصغير والكبير، إنه مرض مجتمعي لكننا سنواجههما، التحرش والمجتمع». فتاة ترفع لافتة ضد التحرش في أحد شوارع القاهرة (الشرق)