في مسرحية عنترة بن شداد هذه السنة في سوق عكاظ قدم الشباب أفضل ما يمكنهم في حدود إمكاناتهم المتاحة، فالنص جاء متماسكا، واستقرأ التاريخ والراوي، واستطاع أن يسد الثغرات الزمنية في سيرة أدبية ملأت الكتب، وسيرة شعبية كتبت في مجلدات، والإخراج أفلح في تفجير إيحاءات النص وحمولاته الرمزية أحيانا، وأفلتت منه في أحيان قليلة، فجاءت بعض أدواته حشوا كعرض الليزر، وبعض حيله المسرحية فجة كغناء شعر عنترة بصوت يذكرك بغناء سلامة وعزة الميلاء والتخت الشرقي، فيما أتت الحركات التشبيهية للممثل بأسلوب مفتعل وغير منطقي، لكن يشدك في المسرحية أداء ممثلي جامعة الملك عبدالعزيز المتمكن، وخاصة دور عنترة الذي تُحِس في إنشاد شعره الحماسي بروح الفارس الثائرة، وفي تغزله بعبلة بروح الشاعر الذي أضناه الوجد وشفه الحب، وكما كان الأوبريت علامة الجنادرية المسجلة فقد آن الأوان لأن تكون لعكاظ علامته الخاصة في المسرح الشعري، وتتوفر له عروض مسرحية غير عادية كالعروض التي نشاهدها على مسارح برودواي في نيويورك، ووست إند في لندن، والبولشوي في موسكو، ومسارح باريس ومدريد، تلك العروض التي تشبه إلى حد كبير مكونات مسرحيات سوق عكاظ بقيامها على النصوص الشعرية، والألحان، والأداء، والمعالجة الدرامية للقصة أو «الحدوتة»، فيقدم السوق نوعا متقدما لا سابق له في العالم العربي كما كان سوق عكاظ نموذجا في تاريخنا لا سابق له، وتكون نواةً لمسرح شعري حقيقي musical play بعمل مهني احترافي عالٍ، وبإمكانات ضخمة، وتقنيات عالية مبهرة مثل تقنية الهوليغرام، تجعلك تشاهد أحد شعراء المعلقات بنفس الدرجة التي تشاهد فيها مسرحية البؤساء، التي طافت مسارح العالم ربع قرن من الزمن بأشعارها وموسيقاها، في مدريد باللغة الإسبانية، ثم تدخل في أجواء العمل، وتستمتع به، وأنت لا تعرف الإسبانية. وأتصور أنه ما لم تحدث نقلة مسرحية تشابه النقلة من المنصة إلى الخيمة فإن النسخ الجديدة ستظل مجرد رقم متسلسل يحسب بالسنوات.