الأردن تدين حرق قوات الاحتلال الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان    رئيس الشورى اليمني: نثمن الدعم السعودي المستمر لليمن    مكي آل سالم يشعل ليل مكة بأمسية أدبية استثنائية    جازان تتوج بطلات المملكة في اختراق الضاحية ضمن فعاليات الشتاء    مدرب ليفربول لا يهتم بالتوقعات العالية لفريقه في الدوري الإنجليزي    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    البرلمان العربي يدين حرق كيان الاحتلال لمستشفى بقطاع غزة    رئيس هيئة الأركان العامة يلتقي وزير دفاع تركيا    لخدمة أكثر من (28) مليون هوية رقمية.. منصة «أبشر» حلول رقمية تسابق الزمن    رينارد: مباراة العراق حاسمة ومهمة للتقدم في البطولة    وزير المالية اليمني ل«عكاظ» الدعم السعودي يعزز الاستقرار المالي لبلادنا    التركي فاتح تريم يصل إلى الدوحة لبدء مهامه مع الشباب    "جلوب سوكر" .. رونالدو يحصد جائزة "الهداف التاريخي"    البيت الأبيض: المؤشرات تؤكد أن الطائرة الأذربيجانية سقطت بصاروخ روسي    القبض على أطراف مشاجرة جماعية في تبوك    مدرب قطر يفسر توديع كأس الخليج    «سلمان للإغاثة» يوزع 526 حقيبة إيوائية في أفغانستان    ضبط 3 مواطنين في نجران لترويجهم (53) كجم "حشيش"    وزير «الشؤون الإسلامية»: المملكة تواصل نشر قيم الإسلام السمحة    خطيب الحرم: التعصب مرض كريه يزدري المخالف    مدرب اليمن يستهدف فوز أول على البحرين    الذهب يستقر وسط التوترات الجيوسياسية ويتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية    دار الملاحظة الأجتماعية بجازان تشارك في مبادرة "التنشئة التربويه بين الواقع والمأمول "    الفرصة لا تزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    رفاهية الاختيار    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    حلاوةُ ولاةِ الأمر    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سهام الصويغ: التغيير في المجتمع التقليدي يحتاج إلى قوة سياسية تدعمه
نشر في الحياة يوم 27 - 10 - 2009

ترجع أصولها العائلية لمدينة هادئة وجميلة بجمال نخيلها الباسق، مدينة لم تعش فيها ولكنها تتوق يوماً لزيارتها، حيث نزحت عنها الأسرة كحال الكثير من الأسر النجدية التي ضربت أصقاع الدول المجاورة طلباً للرزق، وفي البحرين كانت طفولتها، ومن ثم في الدمام حتى انتهاء الدراسة الثانوية، لتكون بيروت محطة الدراسة الجامعية حتى اندلاع الحرب الأهلية، فكان قرار إكمال الدراسة في الولايات المتحدة الأميركية بصحبة زوجها الذي كان داعماً ومشجعاً. وكان علم النفس هو الاختيار الأول والأكثر إصراراً، إذ تزامن الأمر مع إنجاب الأطفال، وهذا ما شجعها أكثر للتعمق في تعلم أساليب تربوية ملائمة للتعامل مع الأبناء. وكان علم النفس هو المصاحب لمرحلتي الماجستير والدكتوراه.
شاركت «الصويغ» بكتابة التقارير الخلفية للتنمية عام 2003-2004 عن واقع التعليم في المشرق العربي وتوصلت إلى الحاجة الماسة لإصلاح التعليم، وتجد أن كل من يرى أن المرأة «عورة» لا يقدر دورها الإنساني ولا يحترم عطاءها. ولكل القراء، نتمنى أن المتعة معنا في حوارنا مع «سهام الصويغ»...
العائلة من مدينة «ضرما»... فهل كنت يوماً هناك؟
- لا، لم أعش هناك ولكنني أتوق لزيارتها يوماً، عائلتي مثل الكثير من العوائل النجدية التي هاجرت من نجد طلباً للرزق، وقد انتقل الأجداد إلى الأحساء منذ زمن بعيد، أما أنا فقد عشت طفولتي في البحرين ثم انتقلت مع الأهل إلى الدمام حيث أنهيت دراستي الثانوية.
اتجاهك لدراسة علم النفس في مراحل تعليمك العالي ينبئ عن إصرار دائم... فلماذا كان هو الاختيار؟
- بدأت بدراسة علم النفس في مرحلة البكالوريوس، واكتشفت خلال دراستي الدور الحيوي والمهم الذي تقوم به الأسرة في تشكيل شخصية الطفل، فالطفل الآمن المبادر والواثق من نفسه هو نتاج أسرة وفرت له الأمن واحترمت إنسانيته، وعلى العكس من ذلك الطفل الخائف أو الطفل العنيف. وقد ترافقت دراستي مع إنجابي لأبنائي طارق وغسان ودانة، وهو ما شجعني على التعمق في فهم الطفولة وحاجاتها وتعلم الأساليب التربوية الملائمة في التعامل مع الأبناء، وجدت الطفولة عالماً رحباً أحتاج إلى أن أكتشفه وأتعلم منه الكثير أماً وباحثةً.
الطفولة والأسرة
دراساتك المتعمقة عن الطفولة والأسرة والتثقيف الأسري... هل غيرت مفاهيمك تجاه مؤسسة الأسرة؟
- لم تغير مفاهيمي بل زادتني قناعةً وتأكيداً أن الأسرة كوحدة أو نظام تؤثر بصورة مباشرة في البناء النفسي للفرد، فالعلاقات الإنسانية داخل الأسرة تمد الزوج والزوجة والأبناء بمشاعر الأمن والانتماء. وهي مشاعر أساسية ومهمة تؤثر في طريقة رؤيتنا لذاتنا وللآخرين وللمجتمع الذي ننتمي إليه. وقد تيقنت من الدراسات التي أجريتها والدورات التدريبية التي قدمتها لعدد كبير من الآباء والأمهات أن جميع أفراد الأسرة بحاجة إلى تعلم مهارات التواصل والدعم حتى تتمكن الأسرة من القيام بدورها بفعالية.
مشوارك التعليمي بعد «الثانوية» اتجه إلى الولايات المتحدة الأميركية... ماذا أكسبتك الدراسة هناك؟
- بعد المرحلة الثانوية ذهبت إلى لبنان للدراسة في (الجامعة الأميركية اللبنانية - كلية بيروت الجامعية سابقاً). كانت دراستي في لبنان تجربة ثرية تعلمت منها الاعتماد على النفس والانفتاح على الآخرين وتقبلهم بجنسياتهم وثقافاتهم ودياناتهم المختلفة. كنت فرحة ومستمتعة وفخورة بثقة أهلي وقرارهم بإرسالي للدراسة في الخارج، وكنت مصرة على إكمال تعليمي مهما كانت الصعاب، وقد كانت الدراسة في لبنان في تلك الفترة صعبة، حيث كانت البلد تعيش فترة حرجة من الصراعات السياسية والطائفية التي سبقت الحرب الأهلية.
بعد اندلاع الحرب الأهلية انتقلت عام 1976 إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث أكملت مرحلة البكالوريوس وتزوجت رفيق العمر عبدالعزيز العشبان الذي كان له دور كبير في دعمي وتشجيعي على استكمال دراستي للماجستير ثم الدكتوراه. كانت الدراسة في فترة السبعينات والثمانينات في أميركا خبرة رائعة تعلمت منها الكثير.
الدراسة باللغة الإنكليزية فتحت لي أبواب المعرفة على مصراعيها. كان المعلمون بعلمهم وتواضعهم وتشجيعهم نموذجاً للمعلم الجامعي الحق. كان لدى غالبية الطلاب والأسر التي عرفتها قبول واحترام للثقافات الأخرى. رأيت وعايشت أنا وغيري من الطلاب العرب معاني البساطة والتواضع والتفكير العلمي والعملي. تعلمنا أن نقبل من يختلفون عنا في دينهم وعاداتهم ونحترم اختلافهم كما يحترمون هم اختلافنا عنهم.
جامعاتنا والجامعات الأخرى
هل تمنح الطالبة في جامعاتنا ما منحتك إياه الجامعات الأميركية؟
- خبرة الطالبة في جامعاتنا مرهونة بالشخص الذي يتعامل معها. يعني مثل ما يقولون هي وحظها. يوجد في جامعاتنا أساتذة وأستاذات رائعون ورائعات قدموا لطلابهم فرص نمو وتعلم لا حدود لها. وهناك مع الأسف أنظمة وقوانين وأساتذة وأستاذات كان لهم دور في إحباط الطالبات وحرمانهم من خبرة ومتعة التعلم الجامعي.
رئاسة القسم في الجامعة... هل تمنح الأكاديمي بُعْداً آخر؟
- من المؤكد أن رئاسة القسم تمنح الأكاديمي خبرة إدارية تحتاج إلى أن يضيفها إلى رصيده، فالعمل الإداري يوفر الفرص للتعرف على لوائح وأنظمة الجامعة وكيفية تطبيقها بما فيه مصلحة الطالب وعضو هيئة التدريس. كذلك يوفر العمل الإداري فرص للتواصل مع الطلاب والزملاء والتعرف على حاجاتهم. علماً بأن الإدارة علم ومهارة وليس بالضرورة كل أكاديمي إداري ناجحاً.
سعودية في جامعة بحرينية... ماذا أعطيتِ هذه التجربة وماذا منحتك؟
- دعيني أولاً أتحدث عما تعلمته من العمل في الجامعة الملكية للبنات وهي جامعة بحرينية خاصة. إن عملي مستشارةً مع فريق التأسيس، ثم عملي عميدة للكلية فتح لي مجال العمل مع أكاديميين من جنسيات عربية وأجنبية مختلفة.
تعلمت من فريق العمل أسس التخطيط وكيفية إعداد الاستراتيجيات وآليات التنفيذ. والعمل مع هؤلاء الأكاديميين مختلف تماماً عما تعودت عليه سابقاً، فالشفافية في العمل مطلوبة والسرعة في الإنجاز متوقعة من الجميع. أما عن عطائي، فقد أسهمت بما أملك من علم وخبرة في تطوير الجامعة وتميزها كأحدى المؤسسات الأكاديمية الداعمة لتعليم وتمكين المرأة في الخليج.
المنظمات الدولية
العمل مع منظمة دولية غير حكومية... بماذا خرجت من هذه التجربة؟ ولماذا الأسماء السعودية في المنظمات الدولية تعد على الأصابع؟
- عملت في بداية التسعينات مع برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية الذي يترأسه الأمير طلال بن عبدالعزيز. وقد اكتسبت من عملي هذا خبرة التواصل والعمل المشترك على مشاريع تنموية مع منظمات إقليمية مثل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والمجلس العربي للطفولة والتنمية، ومنظمات دولية مثل اليونيسكو واليونيسيف. وحالياً أعمل مستشارةً في مشاريع تربوية مع اليونيسيف.
أعتقد بأن قلة الأسماء السعودية في المنظمات الدولية تعود إلى أسباب عدة. أولها: أننا مقارنة بالدول الأخرى حديثو عهد بالتعليم، والكثير من السعوديين والسعوديات يفتقدون الخبرة واللغات الأجنبية التي تؤهلهم للعمل في هذه المنظمات. ثانيها أن هذه المنظمات تتطلب السفر والتنقل الدائم.
السعوديون عموماً ولا سيما النساء يفضلن الاستقرار في البلد. وآخِرها يعود إلى المنافسة الشرسة خصوصاً على المناصب القيادية التي تتطلب في أحيان كثيرة المساندة من أفراد يعملون داخل هذه المنظمات.
إضافة إلى الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر. ونحن ما زلنا - أفراداً وحكومات - في حاجة لاكتساب الخبرة اللازمة لخوض مثل هذه المعارك.
المرأة والتفاعلات
عبر مشوارك الممتد... كيف ترين تفاعل المرأة السعودية مع قضاياها والقضايا حولها؟
- لكي أتمكن من الإجابة عن سؤالك بموضوعية، لا بد لنا من العودة إلى الوراء على الأقل 50 سنة. فالكثير منا ينسى أن المملكة العربية السعودية دولة حديثة عهد بحسب المفهوم العالمي للدولة.
لقد عاشت جدتي وتربت في مجتمع سعودي يختلف كثيراً عما عشته أنا، وعما ستعيشه ابنتي. فمن خلال إدراكنا لهذا التغيير الاجتماعي والاقتصادي السريع، يمكننا أن ندرك وننظر بموضوعية لواقع المرأة السعودية وطريقة تفاعلها مع قضاياها والقضايا التي حولها.
منذ 50 سنة لم يكن هناك تعليم رسمي للمرأة، وغالبية النساء ومن ضمنهن والدتي لم يحصلن على أي تعليم، فغالبية جيلها كانت أميات. لقد حدث الكثير من التغيير.
نعم، لقد تغيّر وضع المرأة السعودية. وربما الزيادة الهائلة في نسبة النساء المتعلمات هي أكثر علامات التغيير.
ولكن هل هذا كل ما تريده المرأة السعودية؟ أنا على يقين بأن عدداً كبيراً من النساء السعوديات، وأنا واحدة منهن، يتطلعن ويعملن بجهد من أجل ردم الهوة بين تعليم المرأة ومشاركتها الاقتصادية.
نحتاج إلى أن ننجح في إدخال من يرغب من النساء المتعلمات في العمل، فأكثر التحديات التي تواجه المرأة هي النسبة المنخفضة التي لا تتجاوز 8 % للنساء السعوديات في سوق العمل.
وعلى رغم بروز نساء متعلمات في الاقتصاد والطب والتعليم والمهن الأخرى، إلا أن الطريق ما زال طويلاً.
فمشاركة المرأة لم تصل بعد إلى مستوى صنع القرار حيث تستطيع المرأة السعودية حينها أن تسهم في وضع الخطط والاستراتيجيات والأنظمة الداعمة لمشاركة المرأة. إن التطور والتغيير يتطلبان وقتاً وجهداً والتزاماً، وقد تكون هناك بعض التضحيات والآلام، ولكنه لا شك أمر حادث.
الضغوط على النساء
مشاريع الحوار مع المرأة... هل هي لتخفيف الضغوط على النساء؟
- أعتقد بأن مشاريع الحوار حول قضايا المرأة تحقق عدداً من الأهداف، فهي تنشر الوعي بمناقشتها مواضيع مهمة طال السكوت عنها مثل: العنف العائلي وحقوق المرأة الشرعية وعمل المرأة وقيادتها للسيارة وغيرها.
وقد تؤدي هذه الحوارات إلى تسليط الضوء على قضايا تهم المرأة وبالتالي تخفيف الضغوط عنها موقتاً، ولكن الحوار وحده لا يكفي إذ لا بد من تفعيل للتوصيات التي تتمخض عن هذه الحوارات.
الطفولة في مجتمعنا... لماذا أصبحت عذاباتها تتصدر الصفحات الأولى في إعلامنا المحلي؟
- أرى أن تركيز الإعلام على مشكلات الطفولة هو نتيجة للوعي الذي بدأ ينتشر في ما يختص بحقوق الطفل. وقد نص اتفاق حقوق الطفل الذي صادقت عليه المملكة العربية السعودية بأن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من أشكال العنف كافة.
والإعلام أحد وسائل التوعية وإن بدت غير محببة لتسليطها الضوء على عذابات الطفولة كما ذكرت. والتدابير لحماية الطفل يجب ألا تقف عند عتبة الإعلام، بل لا بد من تنفيذ جميع التدابير التي تضمن حماية الطفل.
تقارير التنمية
تجربتك مع تقرير التمنية... هل لنا أن نعيش أجواءها؟
- شاركت بكتابة الأوراق الخلفية لتقارير التنمية لعام 2003-2004 وكانت الورقة الأولى عن نسق التنشئة وعلاقته بمجتمع المعرفة، في حين تناولت الورقة الثانية واقع التعليم في بلدان المشرق العربي.
وقد وجدت في بداية الأمر صعوبة كبيرة في الوصول إلى معلومات يمكن تعميمها على مستوى العالم العربي. فعلى رغم التشابهات بين الدول العربية، إلا أن هناك اختلافات واضحة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ولكنني وجدت في ما يختص بالموضوعين اللذين بحثتهما وهما التنشئة الاجتماعية والتعليم تشابهاً كبيراً بين الدول العربية. فدراستي عن واقع التعليم أوضحت أن التعليم في جميع الدول العربية بحاجة ماسة إلى الإصلاح، فتدني أداء الطلاب والطالبات العرب في الرياضيات والعلوم واللغة في اختبارات (تيمس2..7) العالمية ما هو إلا دليل على ضعف التعليم في مدارسنا، ناهيك عن الترتيب المتدني للجامعات العربية على المستوى العالمي.
فالمناهج وحتى الجامعية منها محصورة في غالبيتها بالكتاب المدرسي. وما زالت طرق التدريس تعتمد على التلقين والحفظ والاسترجاع بعيداً عن التطبيق والتجريب، أما التقويم فهو في غالبيته موجّه لقياس قدرة الطلاب على تذكر ما تم استيعابه من الكتاب المدرسي.
إن إصلاح التعليم ليس عملية سهلة، وأهم عمليات الإصلاح التربوي تتمحور في جعل الطالب مركز التعلم بدلاً من الأستاذ أو الكتاب المدرسي، وأن تكون المدرسة منبع التطوير وليس الإدارات التربوية القابعة في مكاتب الوزارات. وهذا التغيير الجذري في أساليب التعليم والإدارة التربوية قد يواجه مقاومة من الكثيرين الذين تعودوا على المألوف ويخافون ويتوجسون من تغييره.
التنشئة الاجتماعية
وبالنسبة إلى التنشئة الاجتماعية... كيف وجدت حالها؟
- أما دراستي المسحية عن التنشئة الاجتماعية في البلدان العربية فقد بيّنت:
- أن الأم العربية تقوم بالدور الأساسي في عملية التنشئة، وبخاصة في السنوات الست أو السبع من عمر الطفل.
- أن أكثر أساليب التنشئة انتشاراً في الأسرة العربية هي أساليب التسلط والتذبذب والحماية الزائدة.
- أن استخدام الأساليب السلبية المتمثلة في التسلط والتذبذب والحماية الزائدة يزداد لدى المستويات الاجتماعية والاقتصادية المنخفضة، ولدى المجتمعات القروية وشبه البدوية
- يؤدي المستوى التعليمي للأم دوراً كبيراً في أسلوب تعاملها، فكلما زاد تعليم الأم، قل استخدامها للعقاب البدني وزاد ميلها للأساليب الأكثر سواءً.
- ما زالت الأسرة العربية – وإن حدث بعض التغيير نتيجة تعليم وعمل المرأة – تتعامل مع الطفلة الأنثى بصورة تقليدية ومغايرة للذكر، وتسهم من خلال التنشئة في استمرار الدور التقليدي السلبي للأنثى.
- يقل التفاعل والتعاطف واستخدام الأساليب السوية في التنشئة مع زيادة عدد أفراد الأسرة.
وجود ظاهرة العاملة (المربية الأجنبية) كإحدى وسائط التنشئة في الأسرة العربية الخليجية عموماً وبداية وجودها في بعض الدول العربية الأخرى مثل لبنان والأردن ومصر. وما لهذه الظاهرة من آثار سلبية في نمو الطفل العاطفي والاجتماعي والمعرفي.
هل من آثار سلبية من خلال هذه التنشئة؟
- أساليب التنشئة المستخدمة لدى غالبية الأسر العربية تؤثر بصورة سلبية في نمو الاستقلال والثقة بالنفس والكفاءة الاجتماعية. وتعوّد الطفل على الخضوع والامتثال والتهرب من المسؤولية.
وتؤدي بالتالي إلى زيادة السلبية وضعف مهارات اتخاذ القرار ليس فقط في السلوك وإنما في طريقة التفكير، حيث يتعود من الصغر على كبح التساؤل والاكتشاف والمبادرة وهي مهارات لازمة للتفكير واكتساب المعرفة.
كذلك أظهرت الدراسة عدداً من الإشكاليات التي تقف عائقاً أمام التنشئة الاجتماعية السوية مثل:
- إشكالية انتشار الفقر في البلدان العربية، إذ يوجد مواطن لكل خمسة مواطنين عرب يعيش على أقل من دولارين أميركيين في اليوم، وهذا يعتبر من أقل مستويات الفقر المادي في العالم. والفقر المادي يتبعه عادة انحسار في فرص التعليم والبيئة السكنية والاجتماعية المناسبة لاستخدام أساليب التنشئة السوية.
- إشكالية الحجم الكبير للأسرة العربية، إذ تبلغ نسبة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة 38% من عدد السكان في العالم العربي، إضافة إلى أن معدل الخصوبة ما زال مرتفعاً 3.5% في عام 1998 مقارنة بمتوسط الخصوبة العالمي 7.2% والحجم الكبير للأسرة كما تشير الدراسات يقف عائقاً أمام تفاعل الأسرة وتواصلها واستخدامها لأساليب تيسر الحوار والتفكير وتوفر الفرص للاكتشاف والتعلّم.
- إشكالية تدني نسبة عدد الأطفال العرب الذين يحصلون على تعليم ما قبل الابتدائي، إذ لا تزيد النسبة على 4%، في مقابل47% في البلدان النامية في عام. وتزداد الفجوة اتساعاً إذا ما قورنت بالدول المتقدمة التي جعلت تعليم الفئة العمرية 5-6 سنوات إلزامياً وحكومياً.
وهذه النسبة المنخفضة لالتحاق الأطفال العرب في التعليم ما قبل الابتدائي تشير إلى حرمان غالبيتهم من فرص اكتساب المعرفة في بيئة تربوية قد يكون لها دور في تعويض النقص الذي يعاني منه الطفل العربي في بيئته الأسرية المفتقدة، في الغالب، إلى أساليب التنشئة التي تنمي القدرات وتشخذها للتفكير والتعلم. إضافة إلى ما يشكله هذا الحرمان من تعميق الهوة وعدم المساواة وقت الدخول إلى المدرسة بين القلة الذين حصلوا على تعليم مبكر والأطفال الذين حرموا منه.
تجربتك مع تقرير التمنية... بماذا أوحت إليك؟
- الباحث لا يقتصر دوره على البحث العلمي، إذ إنني أشارك من خلال البحث والتدريب في مشاريع عربية للإصلاح التربوي مثل مشروع :«تمام» للإصلاح التربوي المستند إلى المدرسة والذي يتم تنفيذه في الجامعة الأميركية في بيروت بتمويل من مؤسسة الفكر.
كما أنني أساهم في دعم وتقويم مشاريع تسهم في تثقيف الأسر المعوزة مثل مشروع تثقيف الأم والطفل الذي تنفذه جمعية الملك عبدالعزيز الخيرية والذي يهدف إلى تنمية القدرة المعرفية للطفل 5-6 سنوات وإعداده لدخول المدرسة في محاولة لردم الهوة بين الأطفال القادرين الذين حصلوا على تعليم ما قبل الابتدائي وغيرهم من الأطفال الفقراء الذين حرموا من هذه الفرصة.
كما يهدف المشروع إلى تثقيف الأم بخصائص وحاجات الطفل المعرفية والاجتماعية والعاطفية وتدريبها على سبل استثارة الطفل وتشجيعه للتعلم، إضافة إلى توعية الأم بأساليب التعامل التربوي مع الطفل وتوجيه سلوكه.
كما أقوم حالياً بتنفيذ مشروع «التربية الفعالة» في مدينة الرياض لتدريب الأمهات ذوات المستوى المتواضع اقتصادياً وتعليمياً في أساليب التعامل مع الأبناء[6-18] وتوجيه سلوكهم. والمشروع تموله وتشرف على تنفيذه مؤسسة الأميرة العنود بنت عبدالعزيز بن مساعد آل سعود الخيرية.
التبرير والتخوين
لماذا المؤسسات عندنا لا تتفاعل مع تقارير التنمية وتحسّن من أدائها بدلاً من أن تتفرغ فقط للتبرير والتخوين؟
- هناك مؤسسات تتفاعل مع تقارير التنمية وتعمل بهدوء من أجل تحسين أدائها، وهناك أخرى تلجأ إلى التبرير والتخوين، فنحن لم نتعود على مواجهة الأخطاء وإصلاحها.
والتبرير جزء من تنشئتنا الاجتماعية وهذا السلوك ما زال يمارَس حتى على مستوى المسؤولين في الحكومات العربية.
في عالم منفتح على الحقوق، ما زلنا دون مجلس لشؤون المرأة... ألا يخنق ذلك النساء؟
- أذكر منذ سنوات عدة في أحد اللقاءات المتمحورة حول حقوق المرأة وواجباتها أنه تمت التوصية بإنشاء مجلس أو هيئة عليا لشؤون المرأة والطفل.
وأعتقد بأن هناك من يتابع الأمر لتأسيس هذه الهيئة المفترض أن تكون مستقلة في قراراتها. وأنا آمل مثل غيري أن تسهم هذه الهيئة أو المجلس في إصدار قرارات ملزمة تنصف المرأة.
فلسفة التغيير... هل لا بد لها من قوة سياسية أم المجتمع كفيل بفعل أو وأد كل شيء!
- التغيير وبخاصة في ما يتعلق بالمرأة ارتبط بالخوف والتوجس الذي وصل إلى حد التزمُّت والتشدد من بعض التيارات الدينية التي تنتهج الغلو والتطرف وتعطي لنفسها حق الوصاية على جميع النساء.
لذا لا بد من قوة سياسية لمواجهة من نصّبوا أنفسهم أوصياء على المرأة من دون وجه حق. لقد تعلّمنا من أحداث التاريخ أن التغيير في مجتمع تقليدي مثل دول الخليج لا بد له من قوة سياسية تدعمه. فقرار تعليم المرأة منذ نحو 50 سنة في السعودية كان قراراً سياسياً واجه الكثير من الرفض، ولكنه بعد فترة أصبح هدفاً تصبو إليه كل فتاة سعودية.
وقرار دمج التعليم كان قراراً سياسياً تمت مواجهته بالرفض أيضاً، والآن أصبح هذا الدمج حقيقة وتم تعيين أول نائبة سعودية لوزير التربية والتعليم تتولى شؤون تعليم البنات في هذه الوزارة الشاملة لتعليم المرأة والرجل.
المرأة عورة
لماذا المرأة عورة عندنا فقط؟
- عورة فقط عند من نصّبوا أنفسهم أوصياء على المرأة. فالمرأة لم ولن تكون عورة في عين من يحترم ويقدّر الدور الإنساني الذي تقوم به أماً وأختاً وابنةً. والمرأة لا يمكن أن تكون عورة في عين من يحترم عطاءها معلمةً وطبيبةً ومحاميةً وإنسانةً عاملةً.
متى ستعودين للرياض؟
- كل قلوب الناس جنسيتي فليسقطوا عني جواز السفر... أنا مقيمة في البحرين قريباً من أولادي وأسرتي.
ولكنني بحكم عملي الاستشاري دائمة السفر بين دول الخليج وبخاصة الرياض، فأنا أعمل مستشارةً تربويةً في جامعة دار العلوم بالرياض، إضافة إلى عملي مع المؤسسات الأخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.