سافرتُ، الأسبوع الماضي، إلى المنطقة الشرقية، بصحبة ابني عبدالعزيز، الذي تم قبوله في جامعة الملك فهد للبترول. وكان الأسبوع تعريفياً بالجامعة للطلاب المستجدين، وتهيئة لهم للدراسة، إلى جانب برنامج خاص بأولياء أمور الطلاب. وكانت رغبة الابن في هذه الجامعة قد تبلورت أثناء دراسته الثانوية وحين أبلغني بها لم أجد في نفسي الحماس الذي أحسست به لديه، طمعاً في أن يبقى قريباً مني. وسألته: ألم يلفتك تقدم بعض الجامعات على جامعة البترول في التصنيف الدولي؟! فابتسم ونظر بعيداً..! وكان سؤالي ذاك مداعبة لحماسه المتقد، فلا أحد يجهل سمعة جامعة البترول ولا امتيازها عن غيرها من جامعاتنا السعودية والعربية. ومنذ دخولي أنا إلى الجامعة قبل ثلاثين عاماً، كنت أعرف أنها تجري لقبول طلابها امتحانات القياس وتفرض عليهم قبل التخصص سنة تحضيرية، وهذان أمران لم تعرفهما بقية جامعاتنا إلا منذ فترة قريبة. دُعينا، نحن أولياء الأمور، إلى صالة في المبنى الذي يتم فيه استقبال المستجدين، وشاهدنا فيلماً عن الجامعة التي تحتفل هذا العام بمرور خمسين عاماً على تأسيسها. ثم أخذتنا الحافلات في جولة على مباني الجامعة، وكان ختام البرنامج لقاء مع عمداء شؤون الطلاب والقبول والتسجيل والتحضيرية. ولم يفارقني في ثنايا ذلك وبعد عودتي للرياض سؤال الامتياز النوعي لهذه الجامعة الذي يعرفه عنها الأكاديميون وعامة الناس على حد سواء. ويزداد ذلك الامتياز ألقاً بسبب بعد الجامعة عن البهرجات الإعلامية والادعاءات الزائفة وانهماكها بصمت في تحقيق أهدافها والارتقاء بخططها. وأول ما يمكن حسابه في أسباب امتياز جامعة البترول هو رشاقتها ولياقتها الجسدية. فهي تتألف من ست كليات فقط، غير متباعدة في حقول اختصاصها. ونتيجة هذه الرشاقة واضحة في حماية بنية الجامعة من الترهل الذي ينتج عن انتفاخ الجسد الجامعي، وهو ما حدث في بعض الجامعات الأخرى لدينا بتوالد الكليات من بعضها أو ضمها من خارج الجامعة بطريقة تلفيقية وتكاثر الإدارات التابعة للجامعة، والتوسع في أعداد القبول. وفي ضوء إدارة شديدة المركزية يغدو أداء هذا الجسد الضخم – بالضرورة – ضعيفاً. وإذا كانت رشاقة جامعة البترول عوناً لها على امتلاك امتياز نوعي فإن ذلك لا ينفصل عن نسق برامجها وأنظمتها الذي يبدو وكأنه مستقل عما تتشاركه وتنصاع له الجامعات السعودية الأخرى. فمحافظتها المستمرة على صرامة القبول التي قَصَرت حصيلتها من الطلاب على أفضل المستويات وبأعداد تطابق النسبة المطلوبة في معايير الجودة إلى كادر التدريس والإدارة، مسلك لا تشاركها فيه كثير من الجامعات الأخرى التي تتعرض لضغط مستمر في زيادة أعداد المقبولين. وبناء برامجها وأنظمتها على معايير متقدمة ومتجددة هو – فيما يحكي المطلعون من داخل الجامعة – ناتج شراكتها مع أفضل الجامعات الأمريكية ومع شركات كبرى مثل أرامكو. وما زالت الجامعة مغايرة للجامعات السعودية الأخرى في وجهة تعاقدها مع أساتذة من أبرز الجامعات الغربية واستطاعتها لذلك.