حين أسقط الناس تمثال صدام حسين الشهير في ساحة الفردوس ببغداد كان الاحتفال بالسقوط يمثل بعدا رمزيا لإسقاط النظام بأسره عقب الاحتلال الأمريكي للعراق، ثم جدت أمور وتغيرت مفاهيم وانهارت تحالفات قديمة ونشأت محلها أخرى جديدة وحزن أناس على ما فرحوا به قبل أعوام وترحم آخرون على ما كانوا يشكون منه، وكأن لسان العراقيين لا يخرج عن قول الشاعر «رُبَّ يومٍ بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه»، والآن تجدد الجدل حول التمثال الذي سيخلف تمثال صدام في ساحة الفردوس حيث ذكرت الشرق الأوسط أن هناك ساسة ومفكرين ينتظرون تشييد تماثيل لهم وفي محاولة لفض النزاع بينهم قامت وزارة الثقافة العراقية بالإعلان عن مسابقة نصب الساحة أطلقت عليه اسم نصب العراق، مع أن ما تحتاجه العراق حالياً ليس تسابق الساسة والمفكرين لإقامة تماثيل لهم إذ لا حاجة لها لتماثيل جديدة، ولو كثفت الوزارة جهدها لحماية تحف العراق وآثاره من عمليات النهب المنظمة التي جرت منذ الغزو ومازالت تجد سوقاً رائجة لها لكان أجدى للعراق من البحث عن نصب جديد في ساحة الفردوس، كما أن الأولى أن تقف في وجه عمليات النصب السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي التي تتعرض له أرض السواد، وبدلاً من التسابق على إقامة التماثيل فإن من المهم البحث عن الأحياء من أدباء العراق ومفكريه وفنانيه المبعثرين في المنافي والمهاجر في شتى أصقاع الأرض وكثير منهم يعاني الجحيمين الغربة والفاقة فيما الناس منشغلون في العراق عنهم بتماثيل الفردوس. إن إنشاء تماثيل للمفكرين والفنانين والعظماء في الدول الأخرى يعد ترفاً حضارياً بعد أن انتهت من البنية الأساسية في مشاريعها النهضوية فيما لا تزال الأمة العربية تقبع في أسر عبادة الشخصية وتمجيد الذات دون التركيز على المشاريع الكبرى التي تسهم في نهضة الأمة في جميع مناحي حياتها، ويصبح التمثال الخلف أهم من إعادة المشاريع الثقافية الكبرى في العراق إن لم تستحدث مشاريع جديدة.