حين أستمع إلى مناقشات السياسيين في المحطات الفضائية أصاب بنوبة من الضحك على سذاجتهم. السبب أنهم يتحدثون من عالم السياسة وليس من جو العلم. خاصة علم النفس الاجتماعي؛ فيريدون تطبيق الكذب على الحقيقة، والانفعال على طلب الحقيقة، وعدم النصفة والاعتراف للآخر بأي ثمن. من هذا الدجل والسذاجة والسطحية تصديق البعض أن النظام السوري سوف يحاور المعارضة على كل شيء بما فيها رحيل المراهق السياسي الأسد الصغير. والجواب أن هذا جهل بقانون علم النفس والتاريخ وعلم الاجتماع. كنت أحدث زوجتي وضحكنا حين رويت لها قصة الجرذ والسنور وهي حكمة استفدتها من كتاب كليلة ودمنة. والرجل روى ما روى من القصص والحكم البالغة ليس بقصد التسلية وتزجية الوقت، بل من أجل نقل حقائق علم النفس والسياسة على لسان الحيوانات في قصص مؤثرة. نحن كبشر نتأثر بالقصة ومنه وردت سورة كاملة في قصة يوسف ومنه ذكر الرب أيضا (نحن نقص عليك أحسن القصص)، أو (تلك الأمثال نضربها للناس). قصة اليوم في أزمة الثقة بين الكائنات تظهر في قصة الجرذ المذعور والسنور المقبوض. فالعداوة بينهما أزلية ولكن شاءت الصدف أن يخرج الجرذ يوما من جحره فيرى السنور الرهيب في شبكة صياد؛ فسر وانتفش وشمت. قال له السنور لا تفرح كثيرا انظر فوق رأسك؟ فراعه بومة خبيثة تنتظر الانقضاض عليه. قال له الجرذ مرتجفا يا عدوي هل نتعاون فنخلص نحن الاثنين؟ قال السنور وكيف؟ قال تزمجر وتكشر وتطلق الأصوات فتخيف البومة، بينا أنا أقطع لك حبالك! اقتنع السنور وبدأ بالزمجرة والتكشير. خافت البومة فطارت وكان الجرذ منهمكا في قطع الحبال. لاحظ السنور أن الجرذ توقف فأبقى بعض الحبال التي تبقي السنور في الشبكة! قال ويلك خرقت الاتفاقية! قال الجرذ لا ولكن أخاف من بوائقك ولا أمان لك! لكني ملتزم بكلمتي ولسوف أنتظر لحين قدوم الصياد فأقطع الباقي فتنشغل به وينشغل بفرارك وأنا أنجو بجلدي. انتظر الجرذ حتى لاحظ قدوم الصياد بما يكفل فرار السنور وفراره فقطع العقدات الأخيرة. قفز السنور في وجه الصياد المندهش وتوارى الجرذ في جحره. في اليوم التالي سلم السنور على الجرذ ودعاه لبناء اتفاقية شرف وثقة كما يريد النظام السوري مع المعارضة. قال الجرذ بيقين: أنت عدوي وأنا عدوك ومحال الصداقة إلا في النجاة المشتركة بوعي وشهادة وشهود. وهكذا هي حال المعارضة والنظام في سوريا إن أرادوا الخروج من النفق المظلم. ولكن هيهات .. هيهات لما توعدون.. نعم ستحل المشكلة حين لا يبق حجر على حجر في سوريا بجبال من الجثث وأنهار من الدماء. إن التاريخ يعبر قنطرة من العذابات فوق نهر من الدموع فيقولون هل إلى مرد من سبيل.