قبل بضعة أيام عدت وعائلتي من مدينة رسول الله، وتشرفنا والحمد لله بزيارة بقعة من أشرف البقع على وجه الأرض قاطبة، كما منّ الله علينا بالصلاة في المساجد المشرفة في المدينةالمنورة في قباء ومسجد القبلتين، وكانت ولله الحمد رحلة ميسرة “نسبياً”. مما حرصنا عليه بالتأكيد هو الصلاة في الروضة المشرفة التي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)، المُحزن أنه على الرغم من إقامتنا أربعة أيام في المدينة، إلا أنّي لم أتمكن من الصلاة في الروضة غير ركعتين لا ثالث لهما في يوم واحد فقط! كانت الأفواج تزدحم عند مسجده الشريف “المسجد القديم، غير التوسعة”، زرافات زرافات، نقف بالساعة والساعتين على أمل فتح إحدى البوابات المؤدية إلى الروضة الشريفة، ومن تشرف بزيارة عتبته الشريفة يعرف تحديدا ما أتحدث عنه. تفتح الروضة للنساء ثلاث مرات في اليوم فقط، بعد صلاة الصبح، بعد صلاة الظهر، وقرب منتصف الليل، وفي كل مرة لا تتجاوز المدة الساعتين. وللعلم فقط! لمن لم يسمع أو يشاهد ما يحدث في جهة النساء، فإن الجزء المتاح من الروضة للنساء جزء بسيط، فعلى سبيل المثال، فإن منبر رسول الله من المناطق المحظورة على النساء مطلقا! ومما لا شك فيه فإن هذا تضييق واقتطاع من الروضة الشريفة لصالح الرجال دون النساء، رغم أن الرجال يستطيعون الصلاة في الروضة الشريفة أربع وعشرين ساعة! فهي مفتوحة كاملة على مدى اليوم عدا سويعات قليلة يُقتطع جزء منها للنساء! لا أعلم حقيقةً سر هذا الإقصاء للنساء في الحرم النبوي الشريف، رغم أنه وعلى حياته صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يمارس هذه الممارسات التمييزية، فمن أين استقينا هذا النظام المجحف؟ مما لا أنساه من أحداث الاختناق داخل الروضة الشريفة، عندما نويت في الليلة الأولى من وصولنا للمدينة المنورة أن أصلي في الروضة الشريفة جهلاً مني بما سيحدث حينها، توجهت للمسجد النبوي بعد أن توضأت وتهيأت، وإذا بالمئات أو الألوف لست متأكدة من الرقم لكني أكيدة أني أرى نساءً على مد بصري، ولكني عزمت وتوكلت على الله، اضطررت للوقوف لأكثر من ساعة ونصف الساعة حتى أستطيع تجاوز الحد الفاصل بين التوسعة والمسجد القديم، هذا وأنا لا أرى الروضة بعد، عرفت أنني على مقربة منها عندما بدأت الحشود تلتحم في تيار بشري لا يمكنك أن تنفصل عنه حتى لو أعدت أدراجك وقررت الانسحاب والنجاة بروحك، انجرفت مع التيار حتى وجدت نفسي فجأة في اتجاه الخروج بدل الدخول، وعندما حاولت المقاومة لتغيير اتجاه سيري، إذا بمرفق يدق عنقي لم أستطع التخلص منه إلا بمساعدة إحدى الأخوات المصريات جزاها الله خيراً، عندها عرفت أنّي لن أوفق للصلاة في الروضة الشريفة اليوم، حملت نفسي وعدت أدراجي إلى الفندق لأفاجأ بأن زوجي قد استطاع الصلاة “على راحته” وأن ابني الصغير كان يلعب بالهاتف المحمول حينها داخل الروضة الشريفة أثناء أداء أبيه للصلاة! أقنعت نفسي بأن اليوم ليس يوم حظي وسأحاول في الغد، جاء الغد لأفاجأ بالمسؤولة عن الأمن على بوابة النساء تطلب مني تسليم هاتفي المحمول للأمانات وانصدمت بأنه هذا هو الإجراء الروتيني رغم أن هاتفي كان بحوزتي بالأمس! فصدمت أكثر بعدما تفحصت وتطقست لأعلم بأن هذا الإجراء خاص بالنساء فقط! فالرجال يستطيعون إدخال هواتفهم المحمولة! وكعادتي اغتظت لهذا التمييز، خصوصا أن تاريخ الرجال الإرهابي أكبر من النساء بمراحل بل لا يمكن المقارنة حتى، فحتى النساء الإرهابيات إنما هن قلة وأدوات رجالية في الأصل، غضضت الطرف عن هذه المشكلة وقلت في نفسي الأمن فوق كل قيمة، لأتوجه إلى الروضة الشريفة ولكن في توقيت مخالف للأمس في محاولة يائسة للدخول، فلعل التوقيت هو السبب، لأفاجأ بأن اليوم أسوأ من الأمس ولكن المفاجأة الأسوأ عندما أخبرني زوجي عن إمكانية الصلاة في الروضة الشريفة عند جهة الرجال بكل يسر وسهولة! طرحت هذا السؤال على كل مأمورات التنظيم في المسجد النبوي: “لماذا يحظى الرجال بهذه الفسحة في الوقت والمكان بينما يضيق على النساء بهذه الطريقة؟ ولماذا تُمنع النساء من شرف الصلاة بقرب محراب رسول الله؟”، أستطيع أن أتفهم أنه لا يمكن السماح للنساء بذلك في أوقات الصلاة، كون الرجال مقدمين في الصلاة على النساء، لكن ماذا عن بعد صلاة الجماعة؟ المشكلة أن جميع المأمورات دون استثناء لم ترد على سؤالي بل إن إحداهن تذمرت مني واتهمتني بإضاعة وقتها! حينها سألتها: ألا ترغبين في الصلاة بجوار محراب رسول الله؟ لكنها لم تجب! في بلد كبلادنا، وتحت حكم كحكم مليكنا لا نقبل مثل هذا التمييز، فكما الجنة للنساء والرجال، فإن الروضة الشريفة لهما معا وبالتساوي ولا أقل من ذلك.