رغم فروقات اللغة واختلاف الاهتمامات وعلاقة الموضوع بمدينة نرويجية قصية، إلا أن سعوديين وخليجيين كثراً أمضوا سهرة طويلة ليلة السبت لمعرفة محتوى طرد تركه عمدة أوتاوا النرويجية، مشترطاً عدم فتحه إلا بعد مرور مائة عام ما صادف ليل أمس الأول. الشأن نرويجي بحت، وقد لايتجاوز حدود المدينة، وكما كان متوقعاً لم يتضمن الطرد أي عجائب أو غرائب، باستثناء بقائه سالماً ومحفوظاً طوال هذه المدة، مما يعني استمرار نمو المدينة وعدم تعرضها إلى حروب أو نكبات تنسف وجودها، كما يبرهن على سلامة التكوين المدني وتماسكه لتبقى الوصية مصانة عبر أجيال لتصل إلى خاتمتها الافتراضية بأمان. اللافت أن اهتمام المتابعة كان فضولاً بحتاً أقرب إلى التلصص، وهو ما عبر عنه المتابعون بخيبة أملهم بعد الكشف عن محتويات عادية للطرد لا تشبع فضولاً، ولم تفتح مسارب للثرثرة الطويلة وهي علامة مفارقة حضارية. لم ينصرف الاهتمام إلى دلالة البقاء والنمو، وقيمة الاستقرار ومعايير الانضباط والالتزام، احترام الوعد وتنفيذه بدقة، وتاريخ المدينة وعراقتها، وهي كلها مؤشرات حضارية تكشف جوهر الاختلاف والتباين. لم يكن الطرد النرويجي سوى رسالة حضارية تثير المرارة والحزن، لأنها تكشف حجم الهوة بين ثقافتين، وتعيد إعلان الفروقات الحادة بينهما ففي عام 1912 كانت معظم البلدان العربية تحت الاستعمار ومنذ استقلالها وهي تراوح بين القمع والثورات المضادة وصراعات أيديولوجية أسقطت جميع القيم الأخلاقية ورفعت مستويات الزيف والاستغلال، وأهملت ليس حفظ المنتج المعرفي والثقافي، بل عدم الاعتراف به أصلاً ونسف كل المقومات الحضارية. في مدينة نرويجية قصية يبقى مجرد طرد محفوظاً مائة عام، بينما لايحصل الفرد في دول العالم الثالث على شهادة ميلاد وربما يعجز ذووه عن تحديد موقع قبره!