كل الدلائل تشير إلى أن قادة التحالف الوطني «الشيعي» الحاكم في بغداد بصدد إشعال فتنة عرقية لاتبقي ولا تذر مع الأكراد، عقب الفتنة الطائفية الكبيرة التي أثاروها مع الطائفة السنية عامي 2006 2007 وراح ضحيتها عشرات الآلاف من الطرفين، فالتصريحات السياسية المتصاعدة اليومية التي يدلون بها والحملات الإعلامية المنظمة التي تشنها مؤسساتهم الإعلامية المؤثرة ضد إقليم كردستان ومحاولتهم الدائمة لوضع العراقيل أمام نشاط الإقليم السياسي والاقتصادي، مستغلين في ذلك سلطاتهم الحكومية الواسعة، مثل؛ سعيهم الحثيث لإلغاء عقود النفط التي أبرمها إقليم كردستان مع كبرى الشركات العالمية على الرغم من كونها عقودا صحيحة وقانونية تمت وفق مواد الدستور المادتين ( 111 و112) اللتين تجيزان للأقاليم والمحافظات «التعاقد والتفاوض مع الشركات الأجنبية للقيام بعمليات تنقيب عن النفط والاستثمار فيها دون الرجوع إلى وزارة النفط أو السلطة الحكومية» وكذلك استمرارهم المثير للدهشة في نسف وتخريب أي محاولة من شأنها إعادة العلاقة مع حكومة بغداد وحل الأزمات القائمة بين الطرفين وتطبيع الأوضاع المتدهورة عن طريق الحوار البناء والجلوس إلى مائدة المفاوضات، وقد دأب قادة التحالف على ممارسة سياسة ثابتة لم يحيدوا عنها منذ توليهم السلطة وهي محاولاتهم المستمرة لوضع العصي في عجلة الجهود التي تبذل لرأب الصدع بين الأطراف العراقية المتنازعة، فما أن تقترب أزمة «أي أزمة» من الانفراج والمصالحة وتكاد جهود الخيرين تتكلل بالنجاح وينتهي الأمر، حتى يفاجأ العراقيون بحركة سياسية جانبية غير متوقعة من قبل قادة التحالف الوطني، لتنسف تلك الجهود من أساسها وتعيد الأمور إلى سيرتها الأولى وكأن شيئا لم يكن، ومن ثم تبدأ الأزمة بالاشتعال ثانية ، ففي الوقت الذي كان «المالكي» وزعماء آخرون في التحالف الوطني يتفاوضون مع زعيم القائمة العراقية «إياد علاوي»حول مسائل الشراكة الوطنية وتوزيع المناصب وقضية مجلس السياسات العليا والوزارات الأمنية الشاغرة، كانت هيئة «المساءلة والعدالة» (لجنة اجتثاث البعث سابقا) التابعة لرئيس الوزراء تصدر قرارا باستبعاد قادة القائمة البارزين «صالح المطلك وظافر العاني» من المشاركة في الانتخابات البرلمانية، بتهمة الانتماء إلى حزب البعث المنحل، وكذلك عندما أيقنوا أن القائمة العراقية تنوي حسم أمر وزارة الدفاع المخصصة لها بتعيين أحد قادتها لهذا المنصب وهو نائب رئيس الجمهورية «طارق الهاشمي» باعتباره عسكريا محترفا، أثاروا ضده قضية الإرهاب وطاردوه من بلد إلى بلد، ونفس السيناريو تكرر مع الائتلاف الكردستاني الذي أرسل مؤخرا وفدا تفاوضيا رفيعا برئاسة نائب رئيس الوزراء السابق «برهم صالح» إلى بغداد لحل المشاكل العالقة معها، فما أن بدأ الوفد الكردي مفاوضاته مع قادة التحالف في بغداد، حتى قام «المالكي» بغلق مكتب ممثلية الإقليم في الأمانة العامة لمجلس الوزراء في بغداد، بحجة عدم وجود سند قانوني لها!، رغم أن الممثلية تعمل في هذا المكان منذ ست سنوات دون أن يعترض على وجودها أحد، وأعقبت خطوة «المالكي» غير المحسوبة وغير الحكيمة على حد وصف الائتلاف الكردستاني خطوة أخرى لقطب آخر من أقطاب التحالف الحاكم باتجاه تعكير الأجواء بين بغداد وأربيل والحؤول دون نجاح المفاوضات الجارية وهو «حسين الشهرستاني» نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة الذي دعا الحكومة لخفض حصة إقليم كردستان من الموازنة المالية العامة لسنة 2013 من نسبة 17% إلى 13% باعتبار أن «الأرقام الأخيرة التي أثبتها الجهاز المركزي للإحصاء توضح أن عدد نفوس المحافظات الثلاث لإقليم كردستان يتجاوز ما نسبته 13% من مجموع سكان العراق بقليل» على حد قوله، ناسيا أن العراق لم يجر فيه أي إحصاء سكاني منذ 2003، فكيف وصل هذا الجهاز العجيب إلى استنتاجه القيم هذا؟ ثم إن الإقليم يأخذ نسبة 17% من ميزانية العراق منذ تحرير البلاد، فلماذا تثار هذه المسائل الآن؟ وبالتحديد بعد أن أبدى الائتلاف الكردستاني مرونة واضحة في إنهاء حالة اللاسلم واللا الحرب بين الإقليم والحكومة المركزية وقام بإرسال وفد للتفاوض مع بغداد ؟!! ولم يقف زعماء التحالف الوطني عند هذا الحد بل دعوا إلى محاربة الأكراد وتصفيتهم جهارا نهارا، ففي محاضرة ألقاها الشيخ «جلال الدين الصغير» على جمع من أنصاره وبثت عبر وسائل الإعلام العراقية تجرأ على الشعب الكردي ونعتهم بأنهم «مارقون!» وسيكون مروقهم من علامات ظهور المهدي «المنتظر» وأن «الإمام!» حال ظهوره سينتقم من «هؤلاء المارقين» ويستأصلهم من جذورهم «إن أول حرب سيخوضها المهدي ستكون مع الأكراد وأنه لن يقاتل أكراد سوريا ولا أكراد إيران وتركيا، بل سيقاتل أكراد العراق حصرا!!» وربما لكون أكراد العراق وليس غيرهم هم من أسقطوا دولتهم الفاطمية الطائفية في مصر بقيادة صلاح الدين الأيوبي الكردي الأربيلي (عام 1171 م)فيجيء مهديهم للانتقام من أحفاده، وإلا فما معنى إلقاء هذا الكلام الطائفي البغيض في هذا التوقيت الذي يحاول فيه الوفد الكردي المفاوض في بغداد إصلاح ما يمكن إصلاحه، قبل فوات الأوان!