تضُج المقاهي في الليالي الرمضانية الدافئة بالشباب مابين «معسَّل» و إبريق شاي ومن لا يرق له «الشيشة « و أجواء الدخَّان و شاشات التلفزة الضخمة، يرتاد الأندية الرياضية، التي أصبحت ثقافة شبه أساسية في المجتمعات الشبابية، وهي ظاهرة صحية جدا، ما بين الترفيه و اللياقة والصحبة . هذا من جهة الشباب « الذكور «، أمّا بالنسبة للنساء، باستثناء العمر ، فإن فكرة التسلية خارج المنزل أشبه بالمعضلة، و كلما طرحت هذه الفكرة في أي تجمع نسائي فإن السيناريو المعروف يعيد نفسه دائما : « قوموا ……….. بس وين ؟«. قبل بضع سنوات، ظهرت ظاهرة جديدة « بالنسبة لنا « في غالبية المدن الكبرى في المملكة، ظاهرة « المجمّعات النسائية «، كانت مُثيرة في بادئ الأمر، فكانت المخلِّص المُنتظر للفتيات والنساء، والمكان الذي تنطبق عليه « الشروط الاجتماعية والشرعية للخروج و النزهة الآمنة بعيدا عن أعين الذئاب البشرية « كما يصورهم بعض الوعاظ و الدعاة« ! عندما سألت قبل فترة ليست بالبعيدة إحدى البائعات اللّاتي يعملن في المجمّع النسائي بالدمام الذي أقفل على ما أظن، سألتها عن الأسواق النسائية وشعبيتها وللعلم فهي تعمل في هذا المحل منذ ما يقارب عشر سنوات، قالت إن المجمعات النسائية لم تكن جيدة من ناحية المحال التجارية المعتادة التي تبيع البضائع النسائية أو ما شابه، المحال الأكثر ارتيادا هناك كانت المطاعم و ملحقاتها، و على الرغم من تواضع إمكانيات هذه المجمعات إلا أنّها كانت ملاذا و متنفسا للكثير من النساء ! فحتى أكثر الرجال شدة و تحفظا، لا يمانع « في الغالب « من ذهاب زوجته أو ابنته لتجمع مغلق «تماما « مقصور على النساء فقط ! الآن ، المُجمع النسائي الوحيد في الشرقية أغْلِق « ولا أعلم إن كان إغلاقا مؤقتا أو دائما «، و بما أنّ الأندية الرياضية حِكْرٌ على الرجال فقط ! فما هي الخيارات المتاحة للنساء ؟ مما لا يُستبعد، قد يرى بعض الرجال أن الخيارات قليلة بالنسبة إليهم كذلك، لكن الفرق واضح، فالخيارات بالنسبة للنساء « إن سُمِح لهن بالخروج « فهي محرجة و قليلة : فلا تتعدى أن تكون واحدة من ثلاث :إما مجمعات تجارية مفتوحة ( و كثير من العوائل لا تسمح للفتيات العازبات بالذهاب لوحدهن مهما بلغن من العمر، وهذا من مصائب الدهر)، أو المشاغل النسائية « صالونات التجميل «، أو التجمعات المنزلية و هي «الأكثر مبيعاً « ! أما بالنسبة للمجمعات التجارية فقد أشَرْتُ سلفاً إلى تحفظ كثير من العوائل على ارتياد فتياتها إليها، أمّا الصالونات النسائية فلن تفتح ذراعيها لأي أحد ما لم يأت للاستفادة من خدماتها ! لكن، بالنسبة لكثير» من ينوين الخروج سوية « فإنه من غير المنطقي جلوس كل واحدة منهن على كرسي يبعد عن الأخرى أكثر من مترين . ناهيك عن الأصوات المرتفعة لأجهزة الصالونات من مجففات شعر وغيره، فماذا بقى لدينا ؟ التجمعات المنزلية بكل عيوبها، فصاحبة المنزل قد تتكلف كثيرا باستقبال العديد من النساء و ليس من الذوق أو العُرف أن يدفعن أي شيء من التكلفة كونهن في ضيافتها ! ناهيك عن تقيُّد أفراد المنزل الباقين و خصوصا الرجال ، فلا يتمكنون من أخذ راحتهم حتى ترحل آخر امرأة ، و لا ننسى صعوبة المواصلات بالنسبة للنساء فتضطر صاحبة المنزل وأفراده إلى المرابطة « حتى آخر قطرة ! هناك كثير من الدول و التي تُعد « اجتماعيا « أكثر انفتاحا من السعودية، إلا أنها تمتلك جمعيات و أندية نسائية ذات توجهات وتخصصات شتى، حتى على مستوى الشواطئ البحرية، فمن الغريب أن تمتلك لبنان و مصر على سبيل المثال شواطئ نسائية بينما لم نخطط بعد لناد رياضي خاص بالنساء ! تَوَقَّعَتْ عديد من النساء السعوديات أن تكون فكرة الأندية النسائية فكرة منطقية ومطروحة خصوصا بعد مشاركة فريق نسائي في أولمبياد لندن هذا العام، لكن إلى الآن لم نلمح أي شيء في الأفق ولا حتى « خطة» ! هل يعتقد المجتمع أن النساء لا يمتلكن أية رغبة في الترفيه شأنهن شأن الرجال ؟ فالترفيه ليس حكرا على جنس دون آخر ! كما أن المطلوب منطقي و غير متجاوز لأي بند من بنود المحافظة على « شرف« فتيات المجتمع أو عُرفه ! كل ما هو مطلوب، تجمعات نسائية ( مغلقة). في تصوري أن وجود مدارس و مصليات نسائية على سبيل المثال دليل إمكانية افتتاح أندية وجمعيات نسائية ترفيهية أو رياضية. أما بالنسبة للشواطئ النسائية فليست بالمستحيلة أيضا، نستطيع نقل التجربة اللبنانية أو المصرية أو حتى الإماراتية إلينا، فلا حاجة للبدء من الصفر ! الحاجة للترفيه النسوي حاجة ضرورية و ليست كمالية، فبعد انفتاح فتياتنا على العالم الخارجي « وخروجهن من شرنقة الأعراف المصابة بمرض التيبُّس «، بعد بعثات خادم الحرمين الشريفين ، بعد الانفتاح الرقمي عبر وسائل الاتصالات التي لا حصر لها، بعد « الأولمبيات» هل مازالت فكرة الترفيه النسائي فكرة يمكن غض الطرف عنها ؟