في كثير من الأحيان يبحث الإنسان عن المفتاح ليكتشف أنه في جيبه، وفي أحيان كثيرة يدوخ الإنسان وهو يفتقد ضائعاً ليعلم أنه تحت أنفه تماماً بدون أن ينتبه. كل هذا يقود إلى قاعدة قررها القرآن أن العمى ليس في العيون ولكن في الصدور. تأمل معي هذا القسم من الآية في سورة الحج (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) (الآية 46) بكلمة أخرى الرؤية البسيطة هي في القرنية وبؤبؤ العين ولكن الرؤية الفعلية وتفسيرها هي في الدماغ. ومنه تحدث القرآن عن تعطل الحواس مع وجودها المادي فقال (صم بكم عمي فهم لا يفقهون). وفلسفة القرآن تقول عن الآيات إن كثيراً من الناس يمرون عليها وهم عنها معرضون. وفي مكان آخر يقول (لهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل سبيلاً)؛ ليصل إلى القناعة التي تقول إن الحواس قد تكون موجودة ولكن الوعي متعطل، وبالعكس فالإنسان في المنام مغمض العين ولكن عالماً بهياً ينفتح أمام ناظريه وهو المغمض. وإن كان العلماء منذ عام 1952 تفطنوا إلى حقيقة عجيبة من حركة دورانية في العين سموها الريم (REM) وترجمتها حركة العينين السريعة (Rapid Eye Movement) وهي تأتي عقب كل دورة من دورات النوم التي تستغرق تسعين دقيقة في عدة جولات وتختم بحركة العينين السريعة ومعها تتدفق الأحلام، فمن استيقظ حينها تذكر المنام، ومن شخر وتابع يمخر عباب المنام ما تذكر شيئاً. وهذا يعني أن الكل يرى الأحلام في فريقين؛ من يتابع سباحة النوم فلا يتذكر، ومن يستيقظ متقطعاً على عدة جولات فيتذكر. أنا شخصياً من هذا النوع الذي يتذكر، ولا أشكو من قلة النوم مطلقاً، ولكنني خصصت دفتراً لتسجيل المنامات عندي، ولقد اجتمعت بشخصيات شتى في المنام مثل برتراند راسل الفيلسوف البريطاني، فتناقشنا كثيراً، ومنهم أردوجان التركي، وآخرها كان مع الصبي المراهق نيرون سوريا الأسد الصغير، فرأيته مضطرباً مرتجاً جاف الريق فأشفقت عليه وسقيته قدحاً من حليب. أظنه في سكرات الموت مع كتابة هذه الأسطر. ومن أجمل القصص التي رويت عن عمى الرؤية قصة ذلك السجين الذي جاءه الملك الفرنساوي وهو محكوم بالإعدام، فقال له هناك منفذ من محبسك فاجتهد في هذه الليلة في اكتشافه. أكد له من جديد أن هناك مخرجاً بكل تأكيد ولكن أمر اكتشافه يعود إليه. هكذا تقول الرواية. بقي السجين طول الليل يقرقع الجدران ويتفقد السقف والحيطان. وفي الصباح جاءه الملك ليراه محبطاً. ضحك الملك وقال له: مد يدك إلى بوابة السجن؟ كانت البوابة مفتوحة وهو يبحث في كل مكان إلا البوابة المفتوحة أمامه بدون قفل. وهكذا فمعظمنا يدور بحثاً عن أمور وهي أمامه مفتحة الأبواب.