يبدو أنّ هناك فئة من البشر لم يكتشفهم جهابذة علم النفس حتى الآن، وإن اكتشفوهم فلن تستطيع جميع نظرياتهم -القديم منها والحديث- تفسير سلوكياتهم، أو التوصل إلى مفهومٍ محددٍ لهم، وسيعجزون عن تحديد خصائصهم وسماتهم، وأكاد أجزم أنّ مصير الباحث في موضوع أمثال هؤلاء إما الانتحار أو الجنون! هذا النوع الغريب من الناس لا يمكن تصنيفهم ضمن الأفراد العاديين؛ الذين يتعايشون مع أنفسهم ومجتمعهم بسلام، ولا يمكن إلحاقهم بالموهوبين ذوي القدرات والمواهب الخاصة، ولذلك فهم خارج جميع التصنيفات، مما جعلهم ظاهرةً تستعصي على العلم، وتتجاوز حدود العقل والمنطق، فهم أقرب ما يكونون إلى الوهم، وأبعد ما يكونون عن الفهم! الطامة الكبرى في حالة هؤلاء (الموهومين)، أنهم يملكون ثقةً مطلقة في أنفسهم لاحدود لها، وإيماناً يقينياً (بمواهمهم) لا يعتريه الشك، حتى أصبحوا خارج نطاق الوعي، واكتسبوا حصانةً خاصة ضد النصح والنقد، وهذه الصفة العجيبة والنادرة تحيل الفرد الموهوم إلى كائنٍ خرافي يعيش بين الناس بجسده فقط، لا يضره ما يقال عنه، ولا يهمه رأيُ كائناً من كان حتى وإن اتفق جميع أهل الأرض على رفض ما يقدم، فلن يغير ذلك من موقفه شيئاً، فيكفيه أنه مؤمنٌ بنفسه (ووهمه) إلى ما وراء اليقين، والمعضلة العظمى أنّ الشخص الموهوم يرى أنّ كل منتقديه ورافضيه إما حساداً يغارون من (إبداعه وموهبته)، أو جهالاً لا يفهمون ما يقدمه، فلا يلقي بالاً لصرخات الاستهجان، ولا يبالي لسماع عبارات الشتم والاستهزاء، ليكون أحد مظاهر العذاب والابتلاء في مجتمعه، فلا خيار أمام من ابتلوا به إلا الصبر المستحيل أو الانتحار!