د. سليمان أبا الخيل – مدير جامعة الإمام محمد بن سعود إن من توفيق الله وتسديده لمليكنا المفدى، وإمامنا المبارك، خادم الحرمين الشريفين في شهر الخير والبركة والاجتماع والوحدة ما تحمله من مسؤولية جسيمة هو أهل لها، حينما وجه دعوته الكريمة لقادة العالم الإسلامي لاجتماع استثنائي، وقمة مهمة يجتمع فيها قادة العالم الإسلامي في وقت غاية في الحساسية يمر بالعالم الإسلامي والعربي على وجه الخصوص، بلغت فيه الفتن والمهددات ذروتها، وصارت المنطقة العربية على طرف الزناد، مهددة بالطائفية والتشظي، والحروب والفساد والدمار في وضع مأساوي لا نشكوه إلا إلى من بيده جمع القلوب، وتأليف الأفئدة، وفي ظل تحركات ومتغيرات تمر بالمنطقة لا يمكن التعامل معها إلا بعمل استثنائي يحرك مكامن الوجدان، ويعتمد زمام المسؤولية الكبرى، ويتجه إلى صناع القرار ومن جعل الله قدرهم ومسؤوليتهم أن يتحملوا أمانة هذه الدول ومسؤوليتها في هذه الحقبة، وفي خضم هذه الأجواء القاتمة التي أورثت لدى بعض المسلمين الحيرة واليأس ينطلق صوت الحكمة والعقل والإنسانية من قائد فذّ، وإمام عادل، ووالٍ رشيد، شرّفه الله بولاية مملكة عالية، ودولة عظيمة شرّفها الله بأن جعلها حاميةً لبقعة مقدسة، وأرض مباركة، هي قلب العالم الإسلامي النابض. إن هذا الموقف الشجاع، والدعوة المباركة في الشهر المبارك يعكس شخصية فذّة تمتلك حسًّا إنسانيًا رفيعًا، وحكمةً بلغت غايتها، وعقلاً راجحاً يتعالى على كل المؤثرات، وروحاً إسلامية عالية، وهماً تجاه أمة الإسلام ، بل تجاه أمم الأرض جميعا، إنه -أيده الله- من خلال هذه المبادرات الإسلامية يشير إلى حقيقة أصيلة في سياسة هذه الدول الإسلامية وفي تعامله -أيده الله- معها، فهو يعيش مآسي المسلمين وقضاياهم، ويشعر تجاهها بمشاعر المسلم أولاً ثم بمشاعر القائد الذي مكَّنه الله من التأثير في قادة العالم لينطلق من هذا الوسط إلى أفق بعيد تتعلق به آمال الشعوب الإنسانية لتتجنب الصراعات والعنف والدموية، وتتجاوز المشكلات الداخلية والخارجية، وتحبط كيد أعداء الإسلام والمسلمين، وتتم مقاصد الإسلام في هذه الأمة العظيمة التي هي: (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). إننا ونحن نترقب هذا الحدث المهم في بلد الأمن والأمان، ومهوى الأفئدة لنستشرف مستقبلاً واعداً مليئاً بالتفاؤل، ونرى في هذه الدعوة أبعاداً مهمة تعين على نجاح هذا اللقاء الكبير، أهمها: – مكانة هذه البلاد المباركة، وما حباها الله به، وما خصها به من خصائص وسمات، فقد اختارها الله واصطفاها لتكون قبلة المسلمين، ومتطلع آمالهم، ومهوى أفئدتهم، وعرصات مناسكهم، ومنبر توحيدهم لله جل وعلا، وهذا الاصطفاء والاختيار قدري شرعي، و (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)، فهي بهذا الاصطفاء بمثابة القلب للعالم. أما البعد الثاني: فهو ما وهب الله مليكنا وإمامنا المفدى -أيده الله-، وما حباه الله به من خصال، وما جبله عليه . والبعد الثالث: هو الموقف الشرعي الداعي إلى الوحدة والاجتماع والألفة، وهذا مقصد رئيس من مقاصد الشريعة، يلمحه المتأمل من نصوص كثيرة في كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم. ومن أبرز أبعاد هذه الدعوة أنها محل الرضا والقبول من جميع الأطراف، لأنها كما مرّ تنطلق من قواعد وأصول مثالية للتطبيق، تحفظ الحقوق، وتبني الحضارات، وتؤسس لعلاقات متوازنة يسودها الأمن والأمان والسلام والاطمئنان، من خلال الحوار والإفادة من النماذج الحديثة التي لها أثر في بلورة مفاهيم العلاقات وصياغة معالمها، وهذا ما دأبت عليه المملكة في المحافل الدولية، ودعت إليه وسعت، وما مبادرات خادم الحرمين الشريفين في الحوار على كافة الأصعدة الداخلية والدولية إلا جزء من هذه المنظومة التي تصدر من قائد الحكمة والحنكة، فالحوار كوسيلة مثلى شأن عظيم، يقرب المسافات، ويختصر الطرق، ويفعل في النفوس ما لا تفعله الوسائل التقليدية، لأنه يعتمد أسلوب الإقناع العقلي، وإثارة الدافع للقبول، والحاجة في ظل الظروف الآنفة ماسة لمثل هذا الأسلوب الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين في العلاقة مع الآخر.أما البعد الذي لا يمكن تجاوزه، فهو الاختيار المسدد للزمان والمكان والبقعة، فالزمان في عشر فاضلة مباركة، كان الأسوة القدوة صلوات ربي وسلامه عليه يخصها بمزيد من الجد والعمل والاجتهاد، ولها من الفضائل والخصائص ما لا يخفى، ولعل اختيار ليلة من آكد ليالي العشر وأرجاها لموافقة ليلة القدر له بعدٌ عميق، ودلالة مهمة، فهي ليلة ذات قدر، ويقدر الله فيها ما يكون في العام من خصب ورخاء، ونوازل وأقدار، وتغيرات وأحوال، ولعل موافقة مباركة يكتب فيها ما يكون سببًا في وحدة الصف وجمع الكلمة، وإزالة أسباب الفرقة والنزاع، ورفع الظلم عن المظلومين والمضطهدين، وصلاح الأحول بإذن الله. والمكان في أم القرى، أحب البقاع إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وأشرف الأماكن وأقدسها، توعد الله من أراده بسوء أو إلحاد أن يذيقه عذابه، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم)، فاختيار خادم الحرمين الشريفين هذه البقعة وحول الكعبة تحديدًا له دلالته التي تنعكس على القادة، ويكون لها أثرها العميق في استشعار عظم المسؤولية، وضرورة الحل، فمع هذه الأجواء الإيمانية، والساعات العظيمة، والرؤية الحكيمة الأمل بعد الله كبير في قادة العالم الإسلامي أن يخرجوا بموقف موحد، يذكره التأريخ، ويحقق الآمال بإذن الله.وإن حقاً على كل مسلم، وكل مواطن ومقيم، وهو يرى هذا الجهد العظيم، والعمل الصالح المبارك في شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار أن يلهج إلى الله بالدعاء لخادم الحرمين الشريفين ولجميع القادة الذين سيحلون ضيوفاً عليه، بأن الله يوفق مسعاهم، ويسدد أقوالهم وأفعالهم وآرائهم، ويجعلهم رحمة على رعاياهم، فوصيتي لكل مسلم ألا يغفل هذا الباب العظيم، وأن يستشعر الضرورة الملحة التي تمر بأمتنا الإسلامية، فهذه الجهود بذلت، ولكن يبقى عون الله وتأييده وتسديده، وقادتنا بأمس الحاجة إلى أيدٍ متوضئةٍ مؤمنةٍ ترتفع بالدعاء في هذه الليالي المباركة.