لم يكفِ لبنان جبهة سوريا المشتعلة، فشاءت الأقدار أن اشتعلت جبهة جديدة في البقاع، هذه المرة أشعلها مزارعو حشيشة الكيف المحظورة، انتفضوا في وجه القوى الأمنية التي بدأت بإتلاف الحقول المزروعة بهذه النبتة، رافعين شعار “هجرتمونا فلن نسمح لكم بقطع أرزاقنا”، وبذلك اندلعت اشتباكات مسلحة بينهم وبين العناصر الأمنية أسفرت عن سقوط عددٍ من الجرحى. وفي هذا السياق، يُشار إلى أن القوى الأمنية بدأت عمليات إتلاف الحشيشة منذ النصف الثاني من الشهر الماضي، فتمكنت من إتلاف الحقول المزروعة بالممنوعات في بلدتي الكنيسة ودير الأحمر والهرمل بأقل الأضرار الممكنة، إذ لم يُسجَّل سوى تحطيم للجرارات الزراعية التي استُخدِمَت في عمليات الإتلاف. ردود الفعل الهادئة نسبياً لم تنسحب على حقول اليمونة، إذ فوجئ عسكريو الجيش وعناصر مكتب مكافحة المخدرات بكمائن مسلّحة، فاكتشفوا ألغاماً زُرِعت في حقول نبتة الحشيشة، كما حاول مزارعو الحشيشة ردع القوى الأمنية، بعد تحصنهم في متاريس، فأطلقوا النار عليها من أسلحة رشّاشة وقواذف آر بي جي. هنا تدخل الجيش اللبناني لمؤازرة القوى الأمنية، فردّ عناصره على مصادر إطلاق النيران بالمثل، كما استقدم مروحيات الهليكوبتر للتمشيط، إثر ذلك انكفأ المهاجمون لتبدأ مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين استمرّت طوال اليومين الماضيين، لكنها لم تُسفر عن تقدّمٍ ملموس ولا سيما وسط إصرار كل جهة على موقفها، فالقوى الأمنية ترفض التراجع عن قراراها إتلاف حقول الحشيشة باعتبار أن في ذلك “انكسارا لهيبة الدولة”، بحسب ما صرّح به مسؤول أمني ل “الشرق”. وعلى الرغم من اعترافه بحق المزارعين في الاعتراض على إتلاف محاصيلهم، باعتبار أن الدولة لم توفّر لهم زراعات بديلة، أكد المسؤول نفسه أنه “لا خيار أمامنا سوى إتلافها باعتبارها تسيء إلى لبنان وتضر بسمعته دولياً”، في المقابل، أصدرت العشائر في البقاع بياناً وقفت فيه إلى جانب أهالي اليمونة، فأكّدت أنها “ستواجه القوى الأمنية دفاعاً عن لقمة عيشها”. واللافت أن عمليات إتلاف الحشيشة ومواجهتها تكاد تُصبح تقليداً سنوياً في لبنان، إذ إنه في كل مرة تحاول فيها القوى الأمنية إتلاف حقول الحشيشة ترتفع صرخة المزارعين مطالبة بتوفير زراعات بديلة لهم، علماً أن هذه الأحداث تجد لها موقعاً على الساحة اللبنانية في مطلع شهر أغسطس من كل سنة. وقد بدأ هذا التقليد منذ العام 1993، لكن الجديد هذه السنة إصرار العشائر على المواجهة مع ما يعنيه ذلك احتمال حصول معركة، الصورة لم تستمر قاتمة، فقد أوفد رئيس الجمهورية ميشال سليمان وزير الداخلية والبلديات مروان شربل للتفاوض مع الأهالي فتمكن من إرساء هدنة مؤقتة ريثما يتمكن من تحصيل بعض الحقوق لأصحابها، ليس هذا فحسب، بل وعد وزير الداخلية الأهالي الغاضبين بأنه سيطرح مشروع الزراعات البديلة وتقنين زراعة الحشيشة في أول جلسة لمجلس الوزارء، كما وعدهم ببحث ملف التعويضات للمزارعين الذين تم إتلاف أراضيهم المزروعة بالحشيشة. وبذلك تمكن شربل مؤقتاً من فتح طريق اليمونة وإزالة الخيم وفك الاعتصام الذي بدأه الأهالي منذ صباح أول أمس.