مبارك بن خميس الحمداني في مجتمعنا نشاهد كثيرا من السلوكيات المنحرفة التي يرتكبها الأفراد على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم الفكرية والعلمية. هل حللنا يوما السبب الرئيس وراء ارتكاب تلك السلوكيات من منظور فكري؟نحن هنا لا نستعرض نظريات علماء الاجتماع المفسرة لأسباب السلوك المنحرف، فقد خاض فيها رايت ميلز وروبرت ميرتون وغيرهم من ذي قبل وأسسوا على نهجها مدارس سلوكية فكرية تناقش الانحراف وأسبابه.هناك معادلة بسيطة الأطراف طرفاها يرجعان السلوك المنحرف إلى فكر وثقافة شخصية، فأضعها على التصور التالي: فكر وثقافة شخصية منحرفة = سلوك منحرف.ولو حللنا الطرف الأول لمعادلة السلوك المنحرف نجد أنه ناتج عن موت فظيع للعادات والتقاليد وضعف الوازع الديني، وعدم احترام القوانين بنوعيها الوضعي والعرفي في إطار المنظومة الاجتماعية، الأمر الذي ينشأ عنه موت المعايير والقيم التي تحللها مدارس المشكلات الاجتماعية… كل ذلك يؤدي بصورة أو بأخرى إلى التأثير في ذات الإنسان كعنصر اجتماعي في المقام الأول فتتخلخل هيكلة القيم التي تقوم شخصيته والمستمدة من المنظومة الاجتماعية الكبرى.مسألة ارتكاب السلوك الانحرافي مسألة مركبة أسميها «الاحتباس الفكري والانفجار الاجتماعي» قد يكون المفهومان غامضين ولكن نوضحهما وفق المثال التالي: لو قمنا بدراسة جريمة السرقة كسلوك منحرف نجد أن الممارس لهذا السلوك يكون في حالة احتباس فكري قبل مباشرته للجريمة ويطغى بعض من التردد على أفكاره قبل الشروع في ذلك، إن مسألة التردد هذه هي الاحتباس الفكري الذي ينشأ من خوفه من العواقب المترتبة على ذلك ودخوله في دوامة عن مراجعة الذات ومماثلتها بالسلوك الاجتماعي القويم، ومحاولة فهم الخلل الذي سوف ينشأ من جراء ارتكاب الجرم والخوف من مخالفة قواعد العرف العام وكذلك محاولة تصور الحيثيات العامة المترتبة على انتهاج ذلك السلوك.. كل مسألة الاحتباس الفكري تأخذ الوقت الأكبر من العملية وقد تطول إلى أسابيع بل إلى أشهر إذا كان الشخص مستحدثا في مجال الانحراف أما مسألة الانفجار الاجتماعي فهي القيام بعملية الانحراف ذاتها وهو الشروع في السرقة وتشغل الحيز الأقل من الوقت المتوقع للعمليتين معا.إن القيام بالسلوك المنحرف هو نتاج وصورة أخرى من صور التلوث الفكري الاجتماعي..فعند المقاربة الايكولوجية نجد أننا نطلق مصطلح التلوث في مجال البيئة مثلا على الاختلال الذي يصيب مكونات النظام البيئي بكائناته وغازاته وأغلفته الجوية وغيرها من المكونات. كذلك في المجتمع فقد تصيبه حالة من التلوث الفكري الذي يصيب بعض مكوناته بالخلل والظهور بصورة أخرى غير الصورة النقية التي يكون عليها في حالته الاستاتيكية وكل ذلك التلوث الفكري كما يقول الكاتب أحمد فهد الخاطر «نتيجة دوافع من شهواتنا ورغباتنا فمتى ما استطعنا التحكم بها سنقلل من آثار التلوث كما هو الحال مع التلوث البيئي، فالفكر الملوث يحتاج لإعادة تأهيل لكون تأهيله الأساسي ودينه السماوي يحولان دون تلويثه».لابد لنا من مكافحة تلوث الفكر، فالفكر هو من يقود الناس ويميزهم، وهو من يصنع أخلاقهم، ويحرك سلوكياتهم ويدفع بها نحو الاستقامة أو الانحراف. هنا أقف عند عبارة بسيطة أوجدتها من خلال تحليلي المستمر لدوافع السلوك المنحرف «السلوك المنحرف يعد سلوكا متى ما شرع المنحرف التفكير فيه «أقصد بها أنه حتى عملية التفكير في ارتكاب سلوك منحرف تعد انحرافا لأننا يجب أن نتساءل ما الذي دفع الشخص للتفكير في ذلك. من هنا وجدت ضرورة تعزيز القيم الاجتماعية والتوعية بأهميتها ودورها في المجتمع وتعزيز ذلك يكون من خلال التنشئة الاجتماعية السليمة والقائمة على مواءمة توقعات السلوك للفرد بأنماط السلوك العام المتعارف عليه في المجتمع. ونشير هنا إلى دور الأسرة كعامل أساسي ومن ثم المدرسة ومؤسسات التعليم المختلفة في ترسيخ تلك القيم وتعزيزها.