تونس – علي قربوسي بورقيبة أول من مارس التهميش ضد قفصة.. وبن علي استكمله. سكان المدينة يؤكدون أنهم لم يستفيدوا من الثورة ويطالبون بتشغيلهم. تحتل تونس المرتبة الرابعة على مستوى العالم في إنتاج الفوسفات بمعدل 6.7 مليون طن في العام ما جعله أحد أهم الصناعات في الدولة الواقعة شمال إفريقيا. ويُقدَّر احتياطي تونس من الفوسفات بنحو 1203 مليون طن، وتقع أهم مواقع استخراجه في منطقة قفصة وجبل مدلة، لكن العمال في هذه الصناعة يعانون من أوضاعٍ مهنية صعبة ومخاطر كبيرة. «الشرق» دخلت إلى مواقع استخراج وإنتاج وتصدير الفوسفات في تونس ورصدت وضع العمال فيها ومطالبهم التي تبدو ضئيلة مقارنةً بما توفره هذه الصناعة للدولة. وتبدأ رحلة «الشرق» في معامل التراب الأسود بتونس من الجبال التي تخرج منها المعادن في قفصة مروراً بمدن «الرديف» و«أم العرائس»و«المتلوي»، وفي كل مدينة يرصد هذا الملف الجوانب الإنسانية للعاملين في هذه الصناعة. وفي الحلقة الثانية من الملف تسلط «الشرق» الضوء على «قفصة»، المدينة الواقعة جنوبتونس، التي قاومت الاحتلال الفرنسي وساهمت في دعم الاقتصاد التونسي بإنتاجها الفوسفات، إلا أنها تعرضت للتهميش في عهدي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، ومازال أهلها يشكون إهمال الدولة لهم. قفصة مدينة في الجنوبالتونسي لم تهنأ يوماً بالعيش، عاشت الأمرَّين في كل حقبات التاريخ ولعل آخرها في عهد المستعمر الفرنسي الذي أذاقها ألوان العذاب لأنها كانت شرارة الانتفاضة والمقاومة المسلحة ضد الاستعمار، فمنها خرجت حركة الفلاقة فخاضت معارك المقاومة والشرف إلى أن أجبرت فرنسا على الخروج من تونس منكسرة. ثم عانت قفصة التهميش والفقر والنسيان في عهد الحبيب بورقيبة، الذي قال فيمن يسكونها «سكان قفصة لا تشبعوهم ولا تجوعوهم»، فكانت سياسة «القطرة قطرة» التي انتهجها بورقيبة ضدهم هي أحد أسباب فقرهم إلى اليوم. ثم جاء انقلاب 7 نوفمبر ليتولى زين العابدين بن علي الحكم وتتواصل معه سياسة الفقر والتهميش دون أن يشفع للمدينة أنها العمود الفقري للاقتصاد الوطني فكانت تنتج الفوسفات يوميا بما يعادل المليارات لتبنى به القصور والفنادق في أقصى الشمال حيث مسقط رأس بن علي. وقفصة إلى يومنا هذا من أفقر المدن وأعلاها في نسبة البطالة والتهميش، هنا الفقر ألوان والجوع أنواع، يقول أهلها الذين لا يزالون في اعتصامات بالعشرات أمام مقر شركة فوسفات قفصة إنهم «تعبوا وذاقوا الموت ألوانا منذ المستعمر إلى يومنا هذا»، وحتى بعد الثورة مازالت المعاناة مستمرة «فإلى متى ونحن المنسيون في هذا الوطن إلى متى نموت بصمت؟، حسب تساؤلهم. اكتشاف الفوسفات عندما تم اكتشاف الفوسفات في مدينة قفصة من طرف المستعمر الفرنسي سنة 1923 تم بناء عدة قرى سكنية لإيواء العمال الذين كان أغلبهم لا يجيدون القراءة ولا الكتابة، بل كانوا يعتمدون على القوة العضلية لكسب قوتهم بغياب الآلة حينها، وهذه القرى هي بولنوار، حطان، الشعبة، بوجنيبة، إضافة إلى القرية الصغيرة التي توجد في قلب مدينة خريبكة، لكن لم تتم مراعاة أدنى شروط احترام الجانب البيئي والصحي عند بناء القرى، لأن غبار الفوسفات كان يهاجم السكان، وهو ما تسبب، ومازال يتسبب حتى الآن، في إصابة السكان بداء الربو المنتشر جدا في هذه الأماكن، إضافة إلى بعض الأمراض الخطيرة والقاتلة، التي كانت تصيب العمال الذين يشتغلون تحت الأرض. عهد بن علي في عهد زين العابدين بن علي تحولت قفصة إلى صحراء قاحلة مياهها مالحة لا تُشرَب فلم يشفع لها أنها العمود الفقري للاقتصاد الوطني، إذ ظل أهلها وناسها يموتون تحت الدواميس في أعماق الجبال وهم يحفرون فيها لاستخراج الفوسفات. يحدثنا محمد أمين، أحد الشباب المعتصم أمام مقر الشركة الرسمية لفوسفات قفصة، قائلا «نحن لم نطلب جاهاً أو مالاً، نريد حقوقنا فقط، هنا قُتِلَ والدي ومن هنا شُيِّعَت جنازة خالي، هذه الشركة قتلت لكل عائلة فردا في حفر الدواميس، لماذا لا نشتغل اليوم فيها بعد أن أصبح العمل أسهل وأُدخِلَت التكنولوجيا والآلات العملاقة لحفر الجبال؟ لماذا لا يتم تعويضنا عن سنين الفقر والقهر والحرمان؟» أما راضية فملامح وجهها تغني عن كل تعليق فهي شاردة بعينها محاوِلَةً كشف ما يخفيه لها مستقبلٌ يبدو مظلماً، فتقول متنهدة «تخرجت من الجامعة منذ ثماني سنوات، أنا أكبر الإخوة وأنا المعيل الوحيد في العائلة بعد موت أبي ولكن إلى يومنا هذا لم أستطع العمل في شركة فوسفات قفصة لا لشيء إلا لأني ابنة رجل فقير فهنا لا مكان للضعفاء والعمل بالرشوة أو بالواسطة، ألا يكفي ما عانيناه من عهد المخلوع من سرقة وتهميش أم أنه مكتوب علينا الاحتياج». التراب الأسود: 1. جبال الفوسفات في تونس.. الموت على طريق الثروة 2. قفصة.. مدينة تونسية قاومت المستعمر ودعمت الاقتصاد.. فأهملتها الدولة سكان قفصة معتصمون حتى تشغيل أبنائهم فتاتان من قفصة معتصمون أمام مقر شركة الفوسفات (تصوير: علي قربوسي) قفصة تعاني الإهمال والتهميش الفوسفات (التراب الأسود)