تونس بلد عربي صغير نسبياً، عدد سكانه، بحسب آخر الإحصاءات أقل قليلاً من عشرة ملايين ونصف المليون. إلا أن زعيم تونس الكبير وقائد استقلالها المرحوم الحبيب بورقيبة اهتم كثيراً بتعليم أبناء تونس من ذكور وإناث وأولى محو الأمية اهتماماً خاصاً. ولذلك نجد اليوم أن نسبة الطبقة المتوسطة من سكان الجمهورية التونسية من أعلى النسب في البلدان النامية باستثناء بعض الدول الريعية الخليجية. ويقدر عدد القادرين على العمل، وفقاً لإحصاءات دولية، نحو أربعة ملايين من ذكور وإناث. وهي نسبة عالية واعدة بمستقبل أفضل، لكنها في الوقت ذاته خطيرة حالياً إذا توهّم شباب تونس أن نجاح ثورتهم التي سمُّوها بثورة الياسمين سيحقق كل تطلعاتهم الاقتصادية خلال أيام. وفي يوم الجمعة (4/3/2011)، ألقى رئيس الحكومة التونسية الموقتة الباجي قائد السيسي حديثاً طويلاً ممتعاً مليئاً بالمعلومات. لقد كان حديث ذلك الشيخ الجليل مباشراً صريحاً عفوياً بعيداً عن التعليب وتطريز العبارات بالزخرف اللفظي والحيل البلاغية حتى وصفه أحد التونسيين بأنه كان حديثاً محبباً إلى النفوس «برشه برشه». ومما احتواه حديث رئيس الحكومة التونسية الموقتة من معلومات مهمة لكل متابع، دع عنك مخطط، أنه سيتخرج من الجامعات التونسية ومعاهدها العليا في نهاية هذا العام الدراسي نحو ثمانين ألف شاب وشابة. وكي يستوعب الاقتصاد التونسي ثمانين ألفاً من الشباب الجامعيين لا بد أن ينمو، وفقاً لتقديرات الاقتصاديين التونسيين بنسبة 8 في المئة. وهي نسبة كبيرة جداً حتى في أحسن الظروف. وكان الاقتصاد التونسي قبل ثورة شبابه الأخيرة، يستمد وقود تسييره من قطاعات عدة، أهمها السياحة ثم السياحة ثم السياحة، ومن بعدها الزراعة والتعدين ثم الصناعة. أما أهم مصادر العملات الأجنبية الصعبة فهي السياحة. وقطاع السياحة أهم مصادر تمويل العجز في الميزان التجاري للجمهورية التونسية. ففي عام 2010 قدّرت مؤسسات دولية مجموع قيمة صادرات تونس من السلع بنحو 16 بليون دولار وقدّرت مجموع قيمة وارداتها بنحو 20 بليوناً. ومع أن نسبة نمو الاقتصاد التونسي في العشر سنوات التي سبقت الكارثة المالية العالمية كانت نحو 5 في المئة فإنها وصلت الآن، وبحسب ما قاله رئيس الحكومة الموقتة إلى الصفر. وبعد يوم واحد من حديث رئيس الحكومة الذي شرح وفصّل فيه تاريخ تونس وواقعها الحقيقي وما تواجهه من تحديات، وافتخاره بمستوى تعليم شبابها من ذكور وإناث، أي في يوم السبت 5/3/2011، قامت مجموعة كبيرة من شباب ولاية قفصة بمظاهرة فأحرقوا العجلات وعطلوا شحن الفوسفات، مع أن الفوسفات مصدر مهم لدخل الشعب التونسي. إن الذي أراده شباب ولاية قفصة هو التعبير عن سوء أحوالهم المعيشية وإيصال صوتهم إلى السلطة. ولكن ماذا بيد السلطة؟ إن مجرد تحقيق التغيير السياسي لا يؤدي حالاً إلى تغيير اقتصادي ملموس. وهذا هو خطر التوقعات. وفي علم الاقتصاد هناك محتوى فكري متكامل تحت اسم اقتصاديات التوقعات. غير أن «التوقعات» التي تهمنا هنا هي توقعات شباب تونس ومصر. وكل محب لمصر وتونس، والغالبية الساحقة من العرب لا تكنّ لتونس ومصر إلا ما تكنّه لأقطارها من مستقبل أفضل، وتتمنى أن تتهيأ الفرص لتثقيف الشباب بأن الطريقة الوحيدة لرفع مستوى معيشتهم بعد تحقيق التغيير السياسي هي العمل والبناء، لا الإضرابات الفئوية والإقليمية وغيرها مما يؤثر في مسيرة الاقتصاد اليومية. فرئيس الحكومة التونسية الموقتة، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر، نبها مراراً إلى أهمية استتباب الأمن والاستقرار وإعادة الهيبة لمؤسسات الدولة، حتى يتمكن الشعب من بناء مستقبله. إن أولى الأولويات لتحقيق أي نمو اقتصادي مستدام، هي الأمن والاستقرار قبل أي اعتبار آخر حتى ينمو الاقتصاد الكلي وتتوسّع طاقته الاستيعابية ليوفر فرص العمل والحياة الأفضل للجميع. والله من وراء القصد. * أكاديمي سعودي