غرس والدها «رحمه الله» فيها منذ نعومة أظفارها حب العلم وعلمها أنها تستطيع أن تحقق النجاح في أي مجال تهواه، حيث اعتاد منذ طفولتها أن يمشي ممسكاً بيد أحد أبنائه وباليد الأخرى إحدى بناته معززاً بذلك مكانة الإناث بجوار إخوانهم الذكور في حياته، انطبعت في ذاكرتها تلك الإشارة الجميلة التي انتهجها والدها في تربيته لأبنائه التي لا تفرق بين ذكر أو أنثى، وكان لوقفته بجوارها وتشجيعه لها أكبر دافع على نجاح الدكتورة مها محمد خياط وكيلة معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، عضو هيئة التدريس بقسم الفيزياء بكلية العلوم التطبيقية بجامعة أم القرى، النجمة الجديدة التي سطعت في سماء المملكة، حيث لم تمنعها واجباتها كزوجة وكأم من إخراج طاقاتها الكامنة التي عملت عليها سنواتٍ طوال لتحصد الميدالية الذهبية في معرض جنيف الدولي الأربعين العالمي للمخترعين ضمن مشاركتها مع وفد مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع، عن اختراعها «التحكم المكاني في نمو أسلاك السيليكون النانوية باستخدام تفاعل كيميائي في مدى النانو»، ويدور اختراعها المقدم حول التحكم المكاني في نمو أسلاك السيليكون الثانوية باستخدام تفاعل كيميائي في مدى النانو للعناصر النشطة كيميائياً، بإيجاد طريقة جديدة للتحكم المكاني في نمو أسلاك أشباه الموصلات الثانوية على سطح أشباه المواد الشبه الموصلة، باستخدام مواد قابلة للتأكسد مثل الألومنيوم لتحفيز نمو الأسلاك الثانوية فوق طبقة من ثاني أكسيد السيليكون سبق تكوينها على سطح شبه الموصل عبر عدد أقل من الخطوات التقنية، ويميز الاختراع الذي ابتكرته الدكتورة مها خياط بأنه لا يتطلب إزالة الألومنيوم (العنصر المحفز لنمو أسلاك السيليكون الثانوية)، وذلك للنمو الاختياري، ولا يتطلب عمل رسم هندسي ضوئي في بعض تطبيقات التقنية الحالية. وأكد العلماء والمهتمون في هذا التخصص أن أهمية الاختراع في الرسم الهندسي في مدى النانو على سطح أشباه الموصلات أو أي مادة أخرى بطريقة متحكم فيها، هي ذات أهمية كبيرة في التطبيقات الصناعية مثل الخلايا الشمسية والأجهزة الإلكترونية، وتم تطبيق هذا الاختراع لتطوير ميكروسكوب القوة الذرية، وذلك لدراسة الخلايا الحية، وإذا كان ذلك الإنجاز يمثل اعتزازاً وفخراً للدكتورة مها، فهو يمثل نجاحاً آخر تحققه المرأه في بلدي، ووسام شرف لجميع السيدات في المملكة كافة، ليبرهن للعالم على قوة المرأه السعودية وطاقاتها وما وصلت إليه في المجال الفيزيائي، بالإضافة للعمق الفكري وما تمتلكه من قدرات علمية وعملية في أغلب المجالات التي عملت فيها. لا أعرف الدكتورة مها ولا تربطني بها أي صلة، ولكنني أشعر بالفخر وأنا أكتب عنها هذه الأسطر المتواضعة بعد أن تابعت عملها وأبحاثها ودراستها، تميزت وتألقت في الأبحاث العلمية المتطورة في مجال تقنية النانو والخلايا الشمسية وحصلت على البكالوريوس والماجستير من جامعة أم القرى، وكانت رسالتها للماجستير في دراسة الانتقالات الإلكترونية لأحد أنواع الزجاج المشوب كمثال على المواد العازلة كهربائياً، حيث كانت أول رسالة ماجستير بقسم الفيزياء، حصلت على براءة أربعة اختراعات في مجال تقنية النانو المرتبطة بالخلايا الشمسية وتطبيقات أخرى، تم تسجيل ثلاثة منها في الولاياتالمتحدة، ومن المتوقع لها أن تغير مفهوم الطاقة في العالم وتقلل من استهلاك النفط! الاختراع الأول: يُعنى باستخدام التفاعل الكيميائي في مدى النانومتر للعناصر النشطة والمحفزة لنمو الأسلاك النانوية، الأمر الذي يمكننا -بإذن الله- من التحكم في مكان نمو السيليكون النانوي واختزال بعض الخطوات المرتبطة بصناعات أشباه الموصلات وبعض التطبيقات الأخرى مثل تكوين أجزاء من الألومنيوم، والاختراع الثاني: تطبيق لفكرة الاختراع الأول في زيادة قوة التمييز لميكروسكوب القوة الذري بطاقة إنتاجية، الأمر الذي سيمكن من دراسة الأسطح ذات الشقوق العميقة مثل دراسة مكونات الخلية الحيوية، والثالث: يتمثل في طريقة جديدة للحصول على شرائح رقيقة مرنة من المادة عند درجات الحرارة المنخفضة جداً، ولهذا الاختراع تطبيقات عديدة في مجالات صناعة الإلكترونيات والخلايا الشمسية المرنة التي يمكن تثبيتها على الأسطح المختلفة، الأمر الذي يمثل أهمية تقنية عالية. تم ابتعاث الدكتورة مها للدراسة بجامعة كامبردج، حيث حصلت على درجة الدكتوراة في دراسة التحول الطوري للمواد شبه الموصلة عند التأثير بضغوط عالية باستخدام تقنية النقر النانوي (نانو إندنيتيشن)، وقد أنهت دراستها خلال (سنتين وتسعة أشهر) بدون تعديلات تُذكر على الرسالة، وتلك الفترة تعدّ فترة زمنية استثنائية بمقاييس جامعة كامبردج العريقة، وكُرمت من قِبل إدارة الجامعة نفسها كأول دكتورة سعودية بقسم الفيزياء، وللدكتورة مها خياط أكثر من 15 بحثاً علمياً منشوراً في مجلات مرموقة، بالإضافة إلى مقالات تثقيفية في مجال تقنية النانو مثل مجلة المجلة، ومجلة مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ومجلة مركز فقيه للأبحاث، والأمر المؤثر خلال فترة عملها بالجامعة أنها لم يتوقف نشاطها البحثي، حيث عملت كباحثة مشاركة بمعامل كافنديش في جامعة كامبردج خلال فترة الصيف، ثم دعمت مدينة الملك عبدالعزيز البحثية، ومن ثم غادرت إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية للعمل في معامل «واتسون» التابعة لشركة (آي بي إم – IBM) العملاقة. الدكتورة مها محمد خياط فيزيائية من مكةالمكرمة أخذت مكانها بين منازل النجوم لتسطع بقوة في سماء المملكة، لتنضم بجوار عشرات النجوم من بنات الوطن تحفزنا وتلهمنا وتبعث فينا الأمل، وتؤكد أن لكل مجتهد نصيباً، فها هي توصل لنا رسالة وضوءاً في مسيرتها العلمية، ومزيداً من النور وكثيراً من الإلهام، فهل من مزيد؟