لم يكن ذلك الشاب يلفت نظري لولا أنني رأيته يتشبث وبكل ما أوتي من قوة بشيء لطالما أرقني حمله وطاردني كابوس ألوانه الخضراء الباهتة فاستعادت ذاكرتي بعضاً من فضائله العديدة والتي لن أنساها أبداً فرغم أني كنت معتاداً على حرارة الصيف بحكم كثرة التجوال في الشوارع للبحث عن وظيفة إلا أنني ومع كل هذه المعاناة لم أكن قادراً على نسيان أفضال ملفي العلاقي الأخضر فقد كان خير صديق في حماية رأسي الصغير من وهج الشمس المحرق كما أني لم أكن أستغني عن استخدامه في أحيانٍ كثيرة ك (مهفّة ) يدوية أتلذذ بهوائها المنعش وأقلب وجهي أمامها يمنة ويسرة طلباً في حصول المزيد من زفير الحسرات وهباء الأماني الوظيفية الضائعة . يالعجبي من هذا الملف العلاقي الأخضر فرغم ضجيج الحكومة الإلكترونية ووهج شبكات التواصل الاجتماعية إلا أنه لايزال يحتفظ بمكانته التي عهدته عليها منذ عشرين عاماً ولكن وللأمانة فإننا لانستطيع أن ننكر أنه قد اكتسب مع الزمن صفة جديدة وميزة نادرة تضاف إلى ميزاته الكثيرة، لقد أصبح أيقونة للعطالة ومعلماً لكل عاطل فإذا رأيت شاباً سعودياً يحمل ملفه العلاقي ذي اللون الأخضر الباهت فاعلم أن هذا الشاب يقف على أبواب العطالة ويطرق أبواب حافز تلك الأبواب الموصدة بأقفال الشروط التعجيزية . وكأني بملفي العلاقي وقد ازداد فرحاً وهو يقف ضاحكاً أمام معلومة جديرة بالمعرفة حيث كشفت دراسة حديثة أن نسبة الشباب في المملكة تقارب ال 60% ومعنى ذلك أن شعبية الملف العلاقي ستزداد وسيصبح أكثر شهرة وأكثر ثراءً .أما إذا تصادف ذات يومٍ ومررت بجوار إحدى المنشآت ورأيت رؤوسا تستظل تحت ملفات خضراء باهتة فاعلم أنك أمام احتفالية قديمة جديدة تقام على شرف الملفات الخضراء وستنفضُّ هذه الاحتفالية في هدوء لتعود في اليوم التالي لممارسة الرقص على أعصاب أبنائنا الباحثين عن الوظيفة بما يحفظ لهم الحياة الكريمة والعيش الرغيد وستعزف موسيقى البطالة عالياً فيما حافز يقف شامخاً يتمايل بعكازه الألفيني ولسان حاله يقول : لاتحسب المجد تمراً أنت آكله/ لن تبلغ المجد حتى تلعق الصِبرا