قال أحد الساخرين: (لو أردنا تدريس الجنس في البلاد العربية لكفتنا رواية واحدة!)، هكذا حال ما ينشر في محيطنا الروائي السعودي من استخدام الجنس في الرواية بهدف الترويج والربح، الجنس عنصر أساسي في الحياة، ولكن استغلاله بهذه الطريقة لضرب عقول القراء بهدف الربح المادي شيء ينبئ بتدهور حال العقول القارئة المثقفة! لم تكن الرواية أبداً سرداً لواقع معين أو قصة معينة، الرواية «كانت» شكلاً ثابتاً من أشكال الأدب يوم ظهورها في القرن الثامن عشر الميلادي في إنجلترا. غير أن جذورها تمتد إلى الأدبين الإغريقي والروماني القديمين، وهي تعدّ مترجمة لأحوال أي مجتمع حتى لو كان منغلقاً حول نفسه. عجباً لأمر بعض الكتاب الذين يستخدمون الرواية في سرد قصة معينة ومن ثم يدمج الجنس فيها لكي يُسوّق لها جيداً ومن ثم تُعدّ من أروع الروايات في الساحة! الرواية يا سادتي فن فلسفي، فن نقدي لحال مجتمع، وليس قال وقيل! هي فكر قبل أن تكون حرف، عجباً لبعض الكتاب عندما يسرد قصة معينة، والعجيب أن تُشتهر هذه الرواية فقط لمسماها أو لجنسيتها أو لتعلقها بموضوع معين، بل الأعجب والذي يُدمي العقول الواعية هو قرار منعها بسبب «زوبعة» إعلامية، أصبح حالنا الآن محل تساؤل عن سبب كتابتنا وبحثنا في الأغلب عما يتعلق بالجنس، في نظري ذلك ليس سوى انعكاس للحالة التي يعيشها المجتمع وكيفية تفكيره، يقول الكاتب نبيل المعجل: (يُعرف الجنس على أنه امرأة عارية ورجل عارٍ وفراش!). وإن تحدثت بالأخص عن الرواية السعودية وتبعناها منذ بدايتها سنكتشف أن بدايتها كانت عام 1349 برواية (التوأمان) لعبدالقدوس الأنصاري، ولكن الانطلاقة الفعلية بدأت برواية (شقة الحرية) لغازي القصيبي في عام 1414، والمدهش أن نشأة الرواية السعودية «الفعلية» وبداية انطلاقتها تعدّ من أقوى الفترات إنتاجاً فكرياً وإثراءً نظرياً، لأنها كانت تعتمد على ترجمة مجتمع ووجهة نظر كاتب فيه ونقد جميل مغلف بالفلسفة، خلال ال15 عاماً وأكثر السابقة فقط أُنتج ما يعادل خمس مرات ما أنتجه الروائيون خلال كل العقود السابقة التي تقارب الثمانين عاماً، بدأت برواية التوأمان الآنفة الذكر، كما بينت دراسة أن عدد الروايات السعودية في ال15 عاماً السابقة وصلت إلى خمسين رواية سنوياً! تساءلوا معي جميعاً كم رواية من هذه الخمسين تستحق أن تُسمى رواية؟ المشكلة أن السيئ منها خرج لنا بأبهى صورة، والجيد مغمور لم يظهر لأنه لا يتطرق للجنس بصورة كبيرة، عندما أريد اقتناء رواية رومانسية أجدها إباحية! أين زمن الروايات الرومانسية الرقيقة مثل (فكرة) لأحمد السباعي، أو (لا تقل وداعاً) لسيف الدين عاشور، نستطيع توظيف الجنس في الرواية بضوابط ومنها احترام التعبير واستخدام لغة راقية بعيداً عن خدش الذوق العام -الذي يبحث عن الخدش- لأننا نتحدث عن غريزة تطبقها جميع الكائنات فيجب احترامها عند وصفها، ومما سبق لا يعني ذلك أن محيطنا الروائي سيئ، ولكنني أقصد الغالب منه، وتبقى هناك روايات جميلة تستحق الاقتناء ولكن الوصول لها صعب كالعادة! مع احترامي لمبدأ «الحرية» إلا أن الحفاظ على الحرية يعني أن نحترمها، فمن ضيع الحرية؟