من غرائب عصرنا وعجائب زمننا أننا نسمع يومياً ونرى ما لا يخطر على بال، وما لا يقول به منطق أو علم أو عقل سليم، فقد كادت بعض الأساطير الخيالية أن تصبح حقيقية من قبل الذين يطرحونها ويروّجون لها ويسوّقونها، وباتت الخرافات والأوهام مرجعاً موثوقاً لا تقبل المناقشة، حتى ولا التساؤل والاستفهام، وكأنها اليقين الأزلي المستدام. وإذا كانت الرؤى المبدعة تعود في أصلها إلى «أحلام» تعلو على السائد والرائج والمألوف، فإن ما نشهده اليوم من أمورغيرعقلانية، لا تدخل إلاّ ضمن مرتبة «الكوابيس» التي لا تنتج سوى التخلُّف والتقهقر والانزواء، والى الغَرَق في بحار التبصير والتنجيم واستقراء الآتي بالوهم وضرب المندل واستنطاق الرمل، وكتابة التعاويذ والطلاسم ورصد ساذج للكواكب والقول بأثرها الطاغي والحتمي على الأمزجة البشرية، وكأنها بحركتها في الفضاء هي التي ترسم – حصراً – مسارات الناس في كل أمورهم: في الحب والكره، في الربح والخسارة، في الانتصار والهزيمة… وإذا كان «المنجِّم» هو وحده المؤهَّل لقراءة حركة النجوم وانعكاساتها على الأفراد والجماعات، وهو الجدير «العالم» بمراقبة تنقُّل الأبراج من حال إلى مقام وبالعكس، حيث بموجب تلك التحركات الفضائية يعطي – بكل ثقة – الوصفات والإرشادات وكشف المخبَّأ والمستور في الأمور المعقّدة العصيّة على الانفراج والحلول، إلى جانب «المبصِّر» الذي يدَّعي أنه يُبْصر ما لا ندركه ونراه، فهو الرائي والمستقرئ وكاشف البخت ومعرفة أسرار المجهول! فيصبح «الوهم» الذي يطرحه هو خشبة الخلاص لجمهور عريض من الناس أنهكهم بؤس «الحاضر» فسلَّموا أنفسهم لعالم الأوهام. من هذا المنطلق تقدّمت منذ مدة «منجِّمة» روسية تدعى «مارينا باي» بدعوى قضائية ضد مجموعة العلماء في الوكالة الأمريكية لأبحاث الفضاء «ناسا» بصفتهم مسؤولين عن برامج إطلاق المركبات إلى الفضاء الخارجي التي تستكشف عالم الكواكب والنجوم، وطالبت بتعويض مادي قدره ثلاثمائة مليون دولار أمريكي، وذلك بسبب ارتطام إحدى المركبات المنطلقة من «كاب كانافيرال» بمذنَّب سابح في الفضاء مما أدّى إلى تغيير فجائي ومباغت لوضعية الأبراج، وهذا بدوره أثّر جذرياً على «خريطة» توقعاتها الفلكية لهذا العام التي بَنَت عليها وصفاتها وإرشاداتها وتعاويذها لزبائنها نساء ورجالاً من مناطق وجنسيات مختلفة! ونقلت الصحف عن السيدة «المنجِّمة» أنها قالت: «من الواضح أن وضعية عناصر كوكبية في مدار المذنَّب الذي ارتطمت به المركبة، قد تغيَّرت وتبدَّلتْ مما شوَّه بشكل هائل ومريع الأبراج الخاصة بي! وهذا يعد تدخلاً سافراً في عملي…». أيها القارئ العزيز، كنت أظنّ أن تجارة «الأوهام» هي فقط في بلادنا، ومع ذلك فإنني أقول: إن بعض الظن إثم، ولكن بعضه الآخر فيه كثير من الفطنة!