الغَيْرة على الإسلام وثقافته ورموزه صفة حميدة، تكاد تستقر في نفوس كل معتنقي هذا الدين الحنيف، من أكثرهم تديّناً إلى أقلهم التزاماً بممارسة شعائر الدين. لكن في الأغلب تأخذ هذه الغَيْرة جانب العاطفة الجياشة على حساب العقل المتدبر والنفس الباحثة، لذلك غالبا ما تبنى المواقف على طريقة رد الفعل لا صناعة الفعل. دعوات المقاطعة وجه من وجوه هذه الغيرة المخلصة، والانفعالية في الوقت نفسه، وغالبا ما تبدأ الدعوة إلى مقاطعة دولة أو شخص أو شركة أو منتج أو عمل فني، من دائرة ضيقة من الذين لا يُشك في حرصهم وحماستهم، ثم تنتشر بين الناس بسرعة موجات الراديو، فيصبح لها دعاة وأنصار ومروجون لم يتعرفوا إلى الشيء الذي يدعون إلى مقاطعته عن قرب، وربما لم تصل إليهم غير كلمات الدعوة إلى المقاطعة والاتهامات، التي كيلت بها، ثم العبارات المؤثرة التي تختتم بها رسائل الدعوة إلى المقاطعة على طريقة «إن كنت حريصاً على دينك فانشر»، و«إن كنت تحب نبيك لا تدعها تقف عندك»، فيتم النشر غيباً من دون علم أو اطلاع كامل على حقيقة الشيء المطلوب مقاطعته. ولا أعني هنا التقليل من فاعلية المقاطعة أداةً للتعبير عن المواقف، لكن الواقع يثبت أن معظم هذه الدعوات تنطلق بقوة الصراخ ولا تلبث أن تتوارى ويخفت صوتها، لأن معظمها مرهون بالحناجر لا بالمعرفة والفقه الصحيحين، حتى أصبحت دعوات المقاطعة، التي يمكن أن تكون سلاحاً فاعلاً لحفظ الحقوق ورد المعتدين، محل إهمال كثير من المخلصين، وصار تبادلها لدى كثير من الناس من باب تبرئة الذمة، ورمي الحجة في حجر الآخرين.