كنت شجرة… فأيقظتني الفأس. أما الحب فلم يكن هنا. القسوة وحدها كانت في انتظارنا على طاولة الحياة. لم نجده في كتبنا المدرسية. ولا في تقلبات الطقس الذي لا يفقه غير صهد الشمس ولفح الغبار. وغير الحذر من الغرباء والأقربين لم نعهد وصايا القلب. كسرة الحب دسسناها بين الضلوع دون فهم ولم نجرؤ على تربية سؤالها اللحوح كما شوكة في باطن القدم. بهجة افتقدتنا بين الصحب وعادت بأسمال الخيبة حتى كبرنا. تفوه بها مرة طفلنا فناله ما ناله من النبذ ولمز الأهل وتغامز العابرين. أين غابت الأمهات عن عطشٍ مسَّنا؟ حتى تشققت أرواحنا وبانت من ثيابنا جفوة، كأنها الوشم الذي يتفحصه الرعاة ليميزوا انتماءنا للقطيع. كبرنا وهو ضامر كحرف معلول وهكذا أمسى كلامنا يتدافع بلا هوادة حجرا حجرا. بحثت في الأرض عن بئرها الأولى وهناك وجدته ناحلا بعصاه، سألته: أولم تشرب بعد؟ قال: وكيف أرتوي؟ لم يعد الشرب مطلبي؛ عندما نسيني العطشى. جفت البذرة في طينة الروح وما عداها غابات حتى وصلنا بأغصان مكتظة بفنون شتى سوى ثمرة الحب. قطعنا من رحلة العمر الكثير ولم نذق سرها، وصلنا إلى حفل المرايا ولقيناها خالية من وجوهنا. لو ألفناه رفيقا، لو تعللنا به في سهر الروح، لو سقيناه أغنيات الحنين لكان لنا غير هذا الألم. وعلى الأرجح سنكون أكثر انتباها للعاصفة وهي قادمة. لكننا لم ندرب إلا على الشك واختيار الأقنعة في تدرجها السريع نحو الكراهية، لم تكن شباكنا معدة وقلوبنا تظنه ولم تلمس شبيها له، هكذا خرجنا في مساء اعتيادي دونما ترقب ولا لهفة وما إن استقبلنا الهواء ورفعنا صدورنا لنغرف حصتنا فقط؛ تداعت الروح فجأة ولم يرجع القلب عندما انسحبنا، ربما لمحنا قبل ذلك ظلا طويلا وهائلا لم نميزه، بل ظنناه نخلة عابرة إلى الماء فقط، لم ندر من الهائم يلفه برق خاطف وجارح، وعلى الرغم من أن الدرب أشار إلى برادة تطالعنا وتهمس، ما أدركنا القصد، كل ما أيقناه أننا تحصنا من غزاته ولن نرضخ لإتاوته وسندفع به إلى هاوية يخافها مثلما تناقلنا وصفة الحرز. هذا كل ما لدينا عنه ولم نعلم أننا لا نعرفه حين أتى الحب دفعة واحدة، شك القلب رمحه وأدمى العمر كله.