طفت أغلب مناطق وطني الغالي دراسة وعملا وسياحة وقبل ذلك نشأة وطبيعة مكان، درسته ودرسني، ولكن حبلي السري ظل مشدودا إلى رحم جبل (ظلم) المطل على سراة عبيدة كحارس لا ينام، تعود الطيور إليه بعد مواسم الهجرة مكسورة الجناح يفترسها الونى وطيور الحدأ التي تناوش أعلاه.. كما يعود الرجال نادرا إما بوصية بالدفن إلى جوار الأحبة أوعلى موعد مع قدر النهاية على آلة حدباء في حدبة جرداء.. ماذا لو نطق (ظلم) وباح بسر اسمه! يبدو أن عدوى بعض وعاظ المنطقة عندما يقولون (عندنا في الجنوب)! ستصيبني في هذا المقال خاصة وأنا أنتقد انتقال حفلات الأفراح من واقع فلكلوري بهيج إلى تمثيلية سمجة ثقيلة على الجيوب والنفوس.. كان العرس الجنوبي كرنفالا يقتضي ثلاثة أيام من الرقص والغناء وخيرات الأرض بُرا وسمنا ولحما ولبنا.. وكان الناس جوعى وفي حواسهم نهم لالتهام الأيام الثلاثة بل وزيادة ولديهم متسع من الوقت ليرووا تفاصيلها بلا كلل، فالفراغ سيد الزمن (وكل مطرود ملحوق) بوصفهم.. تغير الزمن.. حتى العنتريات التي سمعتها في صغري من ألوان الزامل من طراز (ون حربنا حارب نعمي عيونه) متزامنة مع طلقات الرصاص! تغيرت وصرنا نغني (الزمن حول وصار العرب متفرقين.. ويش نبغي بالجفا)! مشوبة بشيء من الحزن.. المشكلة أن الناس لم تدرك أن ما كان يستغرق ثلاثة أيام يستحيل اختزاله في أربع ساعات.. زوامل صوتية وروافد نقدية وشباب جدد يستعرضون قدرتهم على استعراض الموروث.. وفي صالة (الحريم) حيث يتم تدجين الوجوه في المشاغل النسائية لساعات في حين بالإمكان اختصار المال والوقت وسكب الجمال الفطري بمكياج منزلي.. مهر الزواج أمسى حساء خفيفا أمام زواجات بهذه التحضيرات المتعبة.. ربما (ليس عندنا في الجنوب) فقط.. لكنني أكتب عن بيئتي وأجتهد في التوصيف رغم وجود منافحين عن داء المظاهر!