من الشخصيات المظلومة في ثقافتنا باني تركيا الحديثة (مصطفى كمال أتاتورك)، ما زلت أتذكر الكتاب المترجم (الرجل الصنم) الذي غزا المكتبات السعودية في العقدين الأخيرين من القرن الماضي مقدما قراءة واحدة لأبي الأتراك تخدم طروحات تيار الصحوة. أنصح القراء بمطالعة كتاب (ذئب الأناضول) لمصطفى الزين. تدين تركيا بالفضل لأتاتورك حين اتخذ القرارات التالية: تكريس القانون المدني المستوحى من القوانين الأوروبية الحديثة، إنصاف المرأة وتمكينها، لم يمنع الحجاب لكنه منع كل أشكال النقاب، لا يكون الطلاق إلا في المحكمة، قام أتاتورك بإلغاء الخلافة العثمانية في خطوة تحسب له تركيا وعربيا وإسلاميا، فالخلافة فقدت شرعيتها بعد أن ثار العرب عليها – وكذلك المسلمون – وأصبحت مؤسسة معيقة للتطور والإصلاح. تحديث القضاء والتعليم جذريا وعلمنة الدولة قرارات اتخذها أتاتورك وظهرت ثمارها الإيجابية وستستمر. من أهم قرارات أتاتورك – وهو موضوعنا الأهم – استخدام الحروف اللاتينية بدلا من الحروف العربية في كتابة اللغة التركية، لأن النهضة التركية لن تكتمل هويتها – من وجهة نظره – إلا بثورة في اللغة. من أجل تطبيق هذا القرار تم تعديل الحروف اللاتينية لتبلغ عدد حروف اللغة التركية 29 حرفا. نجحت التجربة بجدارة وانعكس ذلك إيجابيا على تركيا وثقافتها. إنقاذ العقل مرتبط بإنقاذ اللغة، في العالم العربي بزغت دعوات محدودة ونادرة لكتابة اللغة العربية بحروف لاتينية لكن لم يقدر لها النجاح آنذاك. اليوم، في الأوساط الإلكترونية تجد أن الفكرة تنتشر بيسر مع مواءمة بعض الحروف بالأرقام، كحرف العين يكتب رقم 3 وحرف الحاء يكتب رقم 7. أعتقد أن تجربة الاعتماد على الحروف اللاتينية في اللغة العربية جديرة بالتأمل والاقتداء في المجتمعات التي تقدس تراثها إلى درجة تعيقها عن التطور والتقدم. طوروا اللغة لتطوروا العقل، أو ثوروا على اللغة لإنقاذ العقل.