يلعب القطاع العقاري السعودي في الوقت الحالي دوراً محدوداً في الناتج المحلي الإجمالي (GDP) قُدّر من قبل بعض المراقبين ب 7.20% في عام 2011م ويصل ذلك التقدير إلى 9.50% إذا استثني القطاع النفطي. وقدرت الأموال المستثمرة فيه ب 1.5 تريليون لنفس العام وقد يصل إلى ثلاثة تريليونات ريال. ويبدو من القراءة الأولية، أنها أرقام وإحصاءات جيدة. ولكن حين التمعن، نجد أنها لا تعكس الدور المأمول من القطاع العقاري. ولهذا، أتت منظومة الرهن العقاري لتحول المأمول من القطاع إلى واقع ملموس ولتعطيه الفرصة بأن يقوم بالدور الحقيقي له وليسهم في حل مشكلة الإسكان التي حرمت قرابة 70% من المواطنين السعوديين من امتلاك المسكن. فأنظمة الرهن العقاري، جاءت كنظرة شمولية للقيادة السعودية وكتسلسل منطقي لمجموعة قوانين سبقتها لتؤسس لما يجب أن يكون عليه الوضع الاقتصادي السعودي في المستقبل البعيد وذلك في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية الراهنة التي تتطلب البحث المستمر لفرص اقتصادية لتسهم في تنوع مصادر الدخل السعودي ولتخفف من الاعتماد على القطاع النفطي الذي ربما ستقل أهميته بحلول العام 2030م. فالقطاع العقاري في ظل منظومة الرهن، يمتلك المقومات التي قد تجعله عراب تلك الفرص. ولكن، إن المتفحص لجوهر المنظومة، سيجد أن هدفها يتجاوز التنوع الاقتصادي ليكرم المواطن السعودي اقتصاديا واجتماعيا. حيث إن تطبيق منظومة الرهن العقاري، يعني دورا لها غير مباشر في المدى المتوسط والبعيد (ثلاثة – سبعة أعوام على أقل تقدير) لتصويب قيمة أسعار الأراضي والمساكن المرتفعة في الوقت الحالي. ولكثير من المراقبين فإن ارتفاع أسعار العقارات، يعد السبب المباشر في عدم تملك معظم السعوديين للمسكن حيث إن دخل معظمهم لا يحقق الشروط التي تطلبها البنوك لإعطاء القرض العقاري. وترجع هذه النظرة الواقعية، لدور البنوك والشركات المصرح لها بالتمويل العقاري في الوقت الذي ستطبق فيه منظومة الرهن العقاري. فالبنوك والشركات الممولة ليست جمعيات خيرية وليست أيضا ملاكاً حانياً على المواطن ومرتبطة ارتباطا وثيقا بالاقتصاد العالمي وهذه حقيقية يجب أن نتفق عليها جميعا وإلا فإن التحليل سيغلب عليه جانب العاطفة. إذا، هي منشآت هدفها الربح ولن تسمح برهن عقار سواء لأخذ سيولة مقترضة عليه أو لشرائه أو لإعادة تمويله إلا بالسعر المقوم بالطرق العلمية والاحترافية ووفق حالة دورات الاقتصاد من كساد وازدهار وستراعي قبل كل شىء الربحية. وبسبب دور الجهات الممولة هذا، ستبدأ الأسعار الحالية للعقار بالانحدار إلى مستويات تتوازن فيه فيما بعد وفق آليات السوق: الطلب والعرض وسيستطيع المواطن ذو الدخل المنخفض من تملك المسكن. وستحاول المكاتب العقارية التي شكلت لفترة زمنية طويلة نمط المضاربة العشوائي من الاتحاد بشركات أو مؤسسات عقارية لتستطيع أن تجاري هذه الأنظمة وإلا فإن استمرارها بشكلها الحالي سيؤدي يوماً ما إلى إغلاقها. فالبنوك والشركات التمويلية، لن تتعامل إلا مع من لديه الضمانات والأسس المهنية ومتوافق مع الضوابط القانونية والرقابية لمنظومة الرهن العقاري. إن تصحيح وضع القطاع العقاري الذي افتقد أصلاً للتظيم مما أدى إلى هروب رؤوس الأموال من الاستثمار أو تخوف الاستثمارات العالمية منه في طريقه للتطبيق. حيث إن منظومة الرهن العقاري ستشكل البيئة الاستثمارية الضامنة والجاذبة للاستثمارات المحلية والعالمية وذلك بسبب حفظها لحقوق جميع الأطراف. وفي ظل وجود مناخ اقتصادي استثماري عقاري، ستخرج رؤوس الأموال من مراقدها سواء كانت البنوك أو غير ذلك وستتدفق من كل حدب وصوب إلى القطاع محدثة بذلك فرصا وظيفية ومحركة الدورة الاقتصادية العقارية حيث سيكون ذلك سبباً رئيسياً لزيادة نسبة القطاع من الناتج المحلي الإجمالي السعودي. لن ننتظر طويلاً، حتى نرى إجراءات مؤسسة النقد العربي السعودي الضامنة والمشرفة والمراقبة على تلك الأنظمة. فإذا راعت المؤسسة اعتبار دخل المواطن وما عليه من التزامات مالية الآن في القرض العقاري المفترض وخففت عنه تلك الشروط القاسية والتعجيزية للبنوك المقرضة اليوم وخاصة أن 50% من تعداد سكان المملكة في عمر العشرينيات وبمتوسط عمري قدر عند 24 عاماً وبرواتب لا تزيد على عشرة آلاف ريال في أحسن الظروف، فإننا سنرى تسهيلاً للمواطن من امتلاك مسكن يستره ويستر أهله من بعده ويجعله يتفرغ للقيام بالأدوار المطلوبة منه في تنمية بلده على الوجه المستحق لها. إن هذه الإجراءات التي يترقبها الجميع، لابد أيضا أن يقابلها دور متوازٍ من قبل القطاع الخاص ليعكس روح تلك الأنظمة. أما اقتصاديا، فالمطلوب من البنوك مثلاً تخفيض هامش الربح بالقدر الذي يدفع نحو تيسير امتلاك شريحة كبيرة من المواطنين للمسكن. إن هذا التخفيض هو من سيحرك الأموال في السوق العقاري فيستفيد المواطن والجهة الممولة على حد سواء على المدى البعيد. أما الشركات المطورة للعقار، فيجب أن تدرك أن المواطن قد سافر وتعرف على نوعية العقارات التي تعكس قيمة الإنسان قبل كل شيء والمواطن السعودي لن يرضى إلا بعقار يماثل ماهو موجود في دول العالم. إن رضا المواطن للعقار الذي سيعيش به، يعني الذوق العقاري وهو المفهوم المغيب الآن في سوق العقار. ومن مظاهر الرضا الذي ينتظره المواطن من العقار، المسكن المناسب في حجمه ومساحة أرضه والمتسق والمنسجم بشكله مع البيئة العمرانية المحيطة به وفي توفيره مواقف للمركبات ليستغنى بها عن مواقف الشارع التي أصبحت بمظلاتها منظراً غير مقبول على الإطلاق. وإذا نجحت البنوك والشركات والمؤسسات التمويلية ومطورو العقار من تحقيق تسهيل القرض والذوق العقاري في المشروعات العقارية ووفق الكود السعودي، عندها فقط نستطيع أن نقول إنها فهمت رؤية القيادة في تكريم المواطن السعودي اقتصاديا واجتماعيا.